لم تَعُد المواقف السياسية الدولية بذات الغموض السابق، إذْ لم تَعُد الحاجة إلى خبير أو محلل سياسي ليعرف الهدف أو مغزى موقف قوّة ما، أو دولة معيّنة، وسبب تغييرها لتوجُّهاتها السياسية وحتى ثباتها رغم تغيُّر موقف الدولة الحليفة.
كل شيء أصبح واضحاً مكشوفاً، فبعد أن أصبحت المصالح هي البوصلة التي توجِّه سياسات الدول ومواقفها، أصبح من غير المستغرب أن تغيِّر أو تعدِّل الدول سياساتها، أو تمارس أسلوباً مزدوجاً من العمل السياسي، بعضه مُعلَن وأكثره يتم في الخفاء، وسرعان ما تكشفه الأفعال والتصرُّفات.
في منطقتنا العربية وفي إقليم الخليج العربي بالذات، نجد تلبُّساً وغموضاً في العلاقات الأمريكية الإيرانية، وبالذات على الساحة العراقية، فبالرغم من العداء الظاهر بين واشنطن وطهران في جميع القضايا الدولية إلى حدِّ العداء الموصل إلى الحرب، إلاّ أنه وفي الوقت نفسه نجد تفاهماً وتقاسماً للأدوار في العراق.
أمريكا احتلت العراق بقوّاتها وجيوش حلفائها، وإيران دخلت تحت عباءة الاحتلال، ورغم أنّ الأمريكيين أعادوا تشكيل الأوضاع السياسية، وقسّموا الأدوار على لاعبيهم المختارين ممّن كانوا يشكِّلون المعارضة للنظام السابق في الخارج، إلاّ أنّ معظم هؤلاء اللاعبين محسوبون على إيران، بل ممّن يخدمون مصالحها أكثر من المصالح الأمريكية، حتى أنّ كثيراً من السياسيين وكبار المهتمين بالأوضاع في إقليم الخليج، يؤكدون بأنّ أمريكا حاربت في العراق لتسلِّمه لإيران.
ما معنى هذا التفاهم الأمريكي الإيراني في العراق، القوة الأمريكية تمكِّن رجال إيران من حكم العراق، وواشنطن تغضُّ النظر إنْ لم تساعد إيران على بسط هيمنتها على العراق، هل المصلحة الأمريكية تتطلّب ذلك، وهل هناك تفاهم (تحت الطاولة) بتقاسم المصالح بين العدوّين على حساب ما يعتقدونه عدوّاً مستقبلياً؟.
فَهْمُ هذه المعادلة يتطلّب تحليل ودراسة التفاهمات غير المعلَنة بين طهران وواشنطن في العراق وفي أفغانستان، وتحليل العلاقة التصادمية بين القوى المتطرِّفة والمتشدِّدة الفاعلة على الساحة الإسلامية، والنظرة الأمريكية البعيدة الهادفة إلى إشغال المتشدِّدين الإسلاميين ببعضهم البعض، من خلال تقوية هذا الطرف وإضعاف الطرف الآخر، وفق نهج صُنع أقواس الأزمات وإدارتها وفقاً لخدمة المصالح الأمريكية وتأكيد دورها المتلبّس دور حامي الأمن والسلام العالميّين.
****