صنعاء - الجزيرة - عبدالمنعم الجابري
بنفس طويل وهدوء وتروٍ كبيرين بدأت اليمن فتح ملفات قضاياها الشائكة وتضع أصابع الحلول على التحديات الأمنية والاقتصادية والسياسية، متجاوزة مرحلة التأجيل والترحيل للقضايا والمشاكل التي زادت بعضها تعقيدا واحتقانا.. ففي الوقت الذي تسعى فيه الحكومة اليمنية لترسيخ السلام في صعدة من خلال اتفاق الدوحة الثاني مع جماعة الحوثي وطي صفحة الحروب الستة ومعالجة آثارها وتداعياتها، من خلال تنفيذ النقاط الست الخاصة بوقف إطلاق النار وإقناع الحوثيين بممارسة نشاطهم في إطار قانوني ودستوري يفضي إلى إقامة حزب سياسي شأنهم في ذلك شأن الأحزاب الأخرى, فإنها في الوقت ذاته تواصل اتباع أسلوب العصا والجزرة في التعاطي مع تنظيم القاعدة، محققة من خلال ذلك نجاحات ملموسة على صعيد ملاحقة خلايا التنظيم وتضييق الخناق عليها وتوجيه ضربات موجعة لها وكذا احتواء بعض عناصرها إقناعهم على تسليم أنفسهم وإجبار البعض الآخر على الاستسلام. فيما بدأت كذلك خطوات عملية لزحزحة الملف السياسي من خلال بدء عملية الحوار بين الأحزاب السياسية في الساحة اليمنية على ضوء الاتفاقات الموقعة بين حزب مؤتمر الحاكم وحلفائه من جهة وأحزاب المعارضة المنضوية في تحالف اللقاء المشترك من جهة أخرى.
وكذلك الحال بالنسبة لموضوع ما يسمى (الحراك الجنوبي) والذي بدأت مؤشرات انهياره تلوح في الأفق وأخذ يعيش حالة من الانحسار في الآونة الأخيرة. ووفقاً لما يراه العديد من المراقبين والمهتمين بالشأن اليمني فإن تلك الخطوات والإجراءات التي بدأت الحكومة اليمنية اتخاذها في الفترة الأخيرة والهادفة إلى معالجة العديد من القضايا والملفات الصعبة سواء المتصلة بالجوانب السياسية والأمنية أو الاقتصادية وغيرها، تحمل في مجملها مؤشرات جدية وإيجابية على أن المرحلة القادمة ستشهد انفراجاً مهماً على صعيد الأوضاع الداخلية وبخاصة ما يتعلق بتلك القضايا الحيوية والملفات الرئيسية الشائكة التي أثرت كثيراً على مختلف جوانب الحياة وتسببت في تأزم الأوضاع داخل الساحة الوطنية. وحسب المراقبين فإن تحريك اتفاقية الدوحة الموقعة بين حكومة صنعاء والمتمردين الحوثيين في عام 2007م برعاية قطرية وما تم اتخاذه مؤخراً من خطوات تصب في اتجاه تفعيل تلك الاتفاقية وتنفيذ ما تضمنته من بنود والذي جاء في أعقاب زيارة أمير دولة قطر إلى صنعاء في شهر يوليو الماضي ثم تلتها زيارة رئيس الوزراء وزير الخارجية القطري، من الأمور التي تعكس رغبة الحكومة اليمنية وجديتها في السير نحو طي صفحة الحروب في محافظة صعدة والعمل على إحلال الأمن والاستقرار وإيجاد سلام دائم يرتكز على أسس وقواعد سليمة ومتينة، وتجاوز الآثار التي خلفتها تلك الحروب والمواجهات التي شهدتها هذه المحافظة على مدى الأعوام الماضية والتي استنزفت الكثير من الطاقات والإمكانيات التي كان ينبغي أن تسخر لأغراض التنمية والبناء. ورغم تشكيك البعض من المتهمين والمراقبين بنجاح الاتفاق بين صنعاء والحوثيين على ضوء معطيات الواقع التي تشير إلى تعزيز الحوثيين لقدراتهم وتوسيع نفوذهم الجغرافي، إلا أن بارقة التفاؤل تظل حاضرة عند الحديث عن إغلاق ملفات التحديات التي تواجه الحكومة اليمنية, في ظل الضغوط الدولية التي تؤكد على حل مشكلة صعدة في إطار الحوار, وهنا لا يستبعد مشاركة جماعة الحوثي في عملية الحوار التي بدأت مؤخرا بين السلطة والمعارضة واتفاق الطرفين على إشراك كل القوى على الساحة اليمنية.
وحسب المراقبين فإن بدء الإجراءات العملية للحوار خطوة في حد ذاتها تؤسس لمرحلة جديدة في العلاقة بين الأحزاب ومسيرة الحياة السياسية والممارسة الديمقراطية والعمل الوطني بشكل عام، وفقاً لما تقتضيه المصلحة الوطنية العليا لليمن وتهيئة مناخات أفضل لإجراء الانتخابات القادمة في أجواء حرة ونزيهة وملائمة. وكان اتفاق فبراير الذي وقعته الأحزاب السياسية اليمنية قد نص على.. إتاحة الفرصة للأحزاب والتنظيمات السياسية ومنظمات المجتمع المدني لمناقشة التعديلات الدستورية اللازمة لتطوير النظام السياسي والنظام الانتخابي بما في ذلك القائمة النسبية، وكذا تمكين الأحزاب السياسية الممثلة في مجلس النواب من استكمال مناقشة المواضيع التي لم يتفق عليها أثناء إعداد التعديلات على قانون الانتخابات وتضمين ما يتفق عليه في صلب القانون، والعمل على إعادة تشكيل اللجنة العليا للانتخابات وفقاً لما ينص عليه القانون. على الضفة الأخرى تستنفر اليمن قواها الأمنية في معركة مفتوحة مع تنظيم القاعدة الذي تتبادل معه الضربات وباتت تلك المواجهات شبه يومية، وكما تشير المعطيات الميدانية فإن تنظيم القاعدة عمل على نقل نشاطه إلى المحافظات البعيدة ذات المساحات الشائعة في جنوب البلاد والتي يمكن لعناصره أن تتخفى فيها وتتنقل بين مختلف المناطق بسهولة، خاصة في ظل وجود ذلك التحالف الذي بات مكشوفاً بين عناصر القاعدة وجماعة ما يسمى (الحراك الجنوبي) والذي باتت تتكشف ملامحه يوما بعد يوم، ولذلك نجد أن الحكومة اليمنية تنطلق في تعاطيها مع هذه القضية من خلال اتباع سياسة (العصا والجزرة)، فبعد العمليات المتلاحقة والضربات الموجعة التي وجهتها قوات الحكومة اليمنية لتنظيم القاعدة وتفكيك خلايا التنظيم الإرهابية في عدة مناطق من محافظات (شبوة وأبين ومأرب وصنعاء) فقد اتخذت السلطات اليمنية في الوقت نفسه إجراءات تهدف إلى حرمان تنظيم (القاعدة) من قواعد الدعم اللوجستي الذي ظلت عناصره تحصل عليه من بعض العناصر والشخصيات في بعض المناطق القبلية، ومن ذلك العمل على إقناع تلك العناصر التي تؤوي الإرهابيين وتوفر الملاجئ لهم بالتخلي عن هذا الدعم. وفي اتجاه مواز نجحت الحكومة اليمنية في استمالة عديد من قيادات القاعدة واستطاعت إقناعهم بترك التنظيم الإرهابي، حيث أعلنت صنعاء عن استسلام العديد من قيادات وعناصر تنظيم القاعدة وهو ما مثل ضربة مزدوجة لتنظيم القاعدة الذي كلما يحاول إعلان تواجده في منطقة ما من الأرض اليمنية ردت عليه صنعاء بإجراءات عملية على أرض الواقع. ومؤخراً وفي سياق الحرب المفتوحة في معركة (كسر العظم) خرجت القوات الحكومية بحملة أمنية كبيرة تشير المعطيات إلى أنها قصمت ظهر تنظيم القاعدة في منطقة (لودر) بمحافظة أبين (بجنوب اليمن) حيث تعتبر هذه المنطقة التي هي مسقط رأس زعيم تنظيم القاعدة في اليمن (ناصر الوحيشي) من المعاقل الرئيسية للتنظيم، وشكلت منطلقا لكثير من العمليات الإرهابية التي نفذتها عناصر القاعدة خلال الفترة الماضية.
وكما تؤكد مصادر رسمية فإن قوات الأمن اليمنية تبدو مصممة على تصفية هذه المنطقة وتطهيرها من خلايا تنظيم القاعدة.. وتفيد مصادر ميدانية مطلعة على تفاصيل العمليات الأمنية التي تنفذها القوات الحكومية في منطقة لودر بأن انهيارات كبيرة حدثت في صفوف العناصر الإرهابية هناك نتيجة الضغوط التي تتعرض لها والضربات القوية التي وجهت إليها من قبل القوات الحكومية والتي أجبرت العديد من تلك العناصر على الاستسلام. وفي سياق الحديث عن تنظيم القاعدة في اليمن والذي بات يعيش أوضاعاً صعبة نتيجة الملاحقات المستمرة والضربات الاستباقية التي وجهتها له قوات الجيش والأمن اليمنية والتي أنهكته وأفقدته توازنه، فإن «تنظيم القاعدة (يشهد صراعات فكرية) داخل صفوفه حول الأهداف التي يضعها ضمن عملياته الإرهابية، بحيث نجد أن تياراً من التنظيم يرفض الانخراط في المواجهات مع القوات الحكومية واستهداف الجنود باعتبارهم مسلمين ومواطنين يمنيين لا يجوز قتلهم، وأن أعداء القاعدة هم من غير المسلمين وبالتالي فإن هذا الفعل يعد بمثابة انحراف عن الأهداف التي تقاتل القاعدة من أجلها، فيما يرى التيار الآخر أن المواجهات ينبغي أن تكون مع قوات الأمن انطلاقاً من منظر أنها تتعاون مع أعداء الاسلام من الأمريكيين وغيرهم، ولذلك فقد كان لعناصر القاعدة أن نفذت عدة عمليات ضد أفراد الجيش والشرطة في عدة مناطق يمنية وبالذات في بعض المحافظات الجنوبية مستغلة مناخات الفوضى التي وفرتها لها جماعة ما يسمى (الحراك الجنوبي) المتحالفة عملياً معها، بحيث يمكن القول إن حالة الفوضى التي أوجدتها تلك الأعمال والأنشطة الخارجة عن القانون من جانب جماعة (الحراك) في بعض مناطق المحافظات الجنوبية والتي أوجدت نوعاً من الانفلات الأمني قد وفرت مظلة وأرضية مناسبة لعناصر القاعدة لتنفيذ عمليات إرهابية في منطقتي لودر وجعار بمحافظة أبين وفي مناطق أخرى أيضاً.
وكما تقول مصادر رسمية فإن الحملة الأمنية الأخيرة من جانب القوات الحكومية ضد تنظيم القاعدة في محافظة أبين، تهدف إلى تصفية تلك المناطق من العناصر الإرهابية وفي نفس الوقت حرمان (القاعدة (من أهم معاقلها وأوكارها. وإلى جانب ذلك فإن الحملة التي تقوم بها قوات الجيش والشرطة اليمنية ضد خلايا القاعدة في محافظة أبين، تهدف في الوقت نفسه وكما تقول المصادر إلى حرمان العناصر الانفصالية المنضوية داخل ما يمسى بجماعة (الحراك الجنوبي) من مصادر مهمة للدعم، حيث تشير المعلومات إلى أن تلك العناصر (الانفصالية (عمدت في الآونة الأخيرة إلى استغلال (القاعدة (للحصول على بعض الدعم وبالذات الدعم المالي الذي ربما أنها تجد فيه ما يساعد على استمرار نشاط ما يسمى (الحراك (الذي تقول مصادر محلية وثيقة الاطلاع ومقربة من بعض قياداته أنه يمر بظروف صعبة وبالذات على الصعيد المالي، حيث وجد نفسه في الآونة الأخيرة غير قادر على تأمين التمويل اللازم لأنشطته، وبخاصة بعد عزوف بعض الجهات أو العناصر المتواجدة خارج اليمن عن إمداد هذه الجماعة بما تحتاجه من الدعم المالي كما كانت تأمل.
وبحسب معلومات من ذات المصادر، فإن علي سالم البيض النائب السابق للرئيس اليمني والذي يقيم حالياً في أوروبا يرفض تقديم أي دعم مالي للحراك الجنوبي، وكما تقول المصادر فإن (البيض)الذي كان قد خرج من اليمن بملايين الدولارات في أعقاب حرب صيف عام 1994م يعتبر أن تلك الأموال خاصة به، وأن الإنفاق الطويل على أنشطة الحراك ربما يصل به إلى مرحلة الإفلاس خاصة في ظل ظهور كيانات جديدة والذي يتطلب المزيد من الإنفاق. وفي الوقت ذاته فإن الخلافات القائمة منذ فترة بين قيادات جماعة (الحراك الجنوبي)حول موضوع الزعامة من العوامل التي لا شك في أنها أثرت كذلك على هذه الجماعة التي لم تتمكن أيضاً حتى الآن من الحصول علي أي دعم إقليمي أو دولي بالنسبة لما تطرحه فيما يتعلق بالمطالبة بانفصال جنوب اليمن، ولم تفلح مساعيها الحثيثة من الحصول على قنوات توصل مع الخارج، ولعل ذلك مرده إلى قناعة تلك الأطراف بضرورة وحتمية بقاء اليمن موحداً، على اعتبار أن تفكك الدولة اليمنية من شأنه أن ينعكس سلباً على الأوضاع في المنطقة بشكل عام ويمس بالأمن والاستقرار الإقليمي.. خاصة وتجربة الصومال ماثلة أمام تلك الدول، بحيث أصبحت الأراضي الصومالية ملجئ وملاذاً آمناً للقراصنة والجماعات المتطرفة بما في ذلك تنظيم القاعدة الذي لاشك أنه وجد في الصومال أماكن آمنة لإعداد وتدريب وكذا تجميع وتنظيم عناصره والانطلاق من هذه الدولة المفككة لتنفيذ عملياته الإرهابية وتصدير الإرهاب إلى دول أخرى. كما كان لإغلاق القنوات الإعلامية الرئيسية التابعة للحراك وبالذات قناة (عدن) الفضائية الانفصالية التي كانت تدار من قبل المعارضة اليمنية في الخارج وتبث برمجها في مدار الإنترسات على أحد الأقمار الأوروبية، وجاء إغلاق القناة في الـ22 من أغسطس المنصرم بعد مساع حثيثة بذلتها الحكومة مع الشركة المالكة للقمر الأوروبي أتلانتك بيرد، ومقرها الولايات المتحدة الأمريكية وتوصلت معها إلى اتفاق لإيقاف البث عن قناة عدن مما أدى إلى توقف القناة عن بثها في مدار الإنترسات.. أن شكل نكسة أخرى لجماعة الحراك. أضف إلى ذلك ما سبق فقد نجحت صنعاء وفقاً لما يراه العديد من المتابعين للشأن اليمني في سحب البساط من تحت أقدام الحركات التي تعرف باسم الحراك الجنوبي بعد أن انفتحت على ما تطرحه أو بالأحرى ما تستغله تلك الحركات في التغرير بالمواطنين والبسطاء، وكلفت العديد من اللجان للنظر في تلك القضايا المطلبية والحقوقية المشروعة وبدأت بمعالجتها وطرح مشاريع تلامس تطلعات وأحلام المواطنين في وجه مشاريع الحركات المتبعثرة لما يسمى الحراك والتي لا تحمل سوى مستقبل ضبابي عنوانه الأبرز الدم والخراب والمجهول. وكما يشير بعض المراقبين فإن سلسلة الإجراءات والمعالجات التي قررت القيادة السياسية والحكومة اليمنية اتخاذها بالنسبة للقضايا الحقوقية في المحافظات الجنوبية سواء عبر تشكيل لجان خاصة بذلك أو عبر بعض الوجاهات المحلية والشخصيات القبلية في تلك المناطق، تؤثر في حد ذاتها على مرحلة جديدة تنتهجها الدولة في اليمن والرئيس علي عبدالله صالح بهدوء وبعيداً عن الضجيج الإعلامي. ومن ثم فقد كان لكل تلك المعطيات أثرها الواضح في انحسار أنشطة جماعة (الحراك) أن انعكست في مجملها على أوضاع هذه الجماعة وشكلت في مجملها ضغوطاً غير عادية بالنسبة لها لعدم المضي قدماً فيما تطرحه حول موضوع الانفصال‘ خاصة وقد باتت تشعر بأن ما تطرحه أو ما تروج له من مشاريع لم تعد تمتلك أدنى مقومات الاستمرارية والنجاح.. وعلى صعيد آخر لم تغفل الحكومة اليمنية الملف الاقتصادي الذي يمثل التحدي الأبرز ويلقي بتداعياته المختلفة على كل الملفات السابقة، وتدرك الحكومة اليمنية ومعها مجتمع المانحين الدوليين أن النهوض بالاقتصاد اليمني سيسهم في معالجة كل التحديات الأمنية وتمتص الفقر والبطالة والمشاكل الاجتماعية التي تعد وقوداً للجماعات المتطرفة. وفي هذا السياق فقد بدأت الحكومة اليمنية سلسلة من الخطوات والإجراءات العملية الهادفة إلى معالجة المشكلات الاقتصادية،ومن ذلك البدء في اتباع سياسية تقشفية صارمة على مستوى جميع الأنشطة والقطاعات الحكومية ولما من شأنه خفض الإنفاق وزيادة الإيرادات غير النفطية، ومنها الثروة السمكية والسياحة والزراعة والاتصالات ومتابعة الدول المانحة للوفاء بالتزاماتها.. كما تعول الحكومة اليمنية في معالجة الملف الاقتصادي على الإجراءات المتصلة بزيادة الإنتاج النفطي وزيادة إيرادات الضرائب وبالذات من شركات الاتصالات وكذا زيادة حجم النشاط الاستثماري من خلال العمل على تحسين البيئة الاستثمارية وإزالة المعوقات التي تحد من تدفق الاستثمارات الخارجية إلى اليمن.