بعد أن شارف شهر رمضان الكريم على الانقضاء، وأذنت أيامه بالرحيل، لا بد لنا أن نقدم لأنفسنا أولاً، ولمن حولنا كشفاً ببعض ممارساتنا الظاهر منها أمام الناس أو ما قد يكون لنا فيه تأملاً أو باب مجادلة، أو نقاش، أما ما يتعلق بالنوايا والأسرار والطوايا فأمرها عند الله سبحانه.

فالملاحظ قبل هذا الشهر الكريم أي أواخر شعبان القريب أن نصف أهل المدن والقرى لدينا إما مسافرون، أو على وعد سفر، فيما النصف الآخر منا لا ناقة له ولا جمل في أمور هذا الترحال.

أما من يسافرون لدينا عادة فهم قسمان، الأول مراميه وأهدافه في بلاد قريبة، وأماكن محددة، فربما قاموا بهذا الارتحال من قبيل صلات القربى أو أداء العمرة أو نحو ذلك، أما الآخر فإن منازعه طويلة وخطاه بعيدة.. تكون عادة وراء البحار وعبر القارات.

نحن هنا لا ننكر على أحد كائناً من كان أن يسافر إلى أي مكان، إلا أننا نرمي من وراء هذا التمثل عرض ما نحسبه مشكلة تناقض أو قضية ازدواج نعيشها في هذه الارتحالات التي قد يتم أكثرها دون تدبر أو تعقل لا سيما وأن شهر رمضان كان على الأبواب.

فجل هؤلاء المسافرين في رجب وشعبان أو ما قبلهما يمرحون في النهار ويردحون في الليل كل حسب توجهه ومسلكه وضوابطه التي اختطها في هذه الرحلة أو تلك.. فلا مانع عند البعض في أنصاف الليالي أن ينقط أهل الفن بنقاط مالية دافئة تعيد لأجواء الطرب العربي المهلهل والموتور والمدوزن نشازاً على توليفات عدة، أي خليط من المدح ومن الشذرات غير المهذبة.. من قبيل القذف واللمز والتعالي في وصلات النشيد والغناء على الآخر، وما إلى تلك الممارسات التي يندى لها الجبين حينما تشاهد بعض ما ينشر عنها في مواقع كثيرة.

لكن الصدمة التي تعتريك والدهشة التي تسكنك أنك ترى الكثير من هؤلاء ولا نقول الجميع تراهم فجأة وقد أصابهم الورع وسكنهم التقى فور وصولهم ليس من المصائف الداخلية إنما من الخارج القريب أو البعيد، لتراهم بُعَيْدَ وصولهم مع آخر يوم في شعبان وقد قاموا بضبط الأطباق اللاقطة (الدش) على قنوات الأفلام والمسلسلات، وما هي إلا سويعات من دخول رمضان إلا وقد باتوا يُسَبِّحُون ويهللون ويستغفرون ويظاهرون بالورع والتقى.

بل أن البعض من هؤلاء يتظاهر بالورع فيعد ولائم وخيام إفطار وعشاء صائم، إلا أنه لو قام أحد من منتقديه بتتبع منهجه في الأشهر السابقة لرمضان لألفاه للأسف صائماً عن فعل أي خير، فلا يصحو الضمير ولا تتقد الإنسانية إلا في هذا الشهر الكريم.

ومن الأمور التي تظهر حجم مشكلة الازدواج والتناقض في الممارسات أن البعض من هؤلاء يزدحمون في أحد المساجد، ومنهم من يؤدون الصلاة في الشوارع المحيطة به.. بل يفترشون الأرصفة المجاورة على أوراق الكرتون، في وقت نجد أن بعض المساجد حوله لا تكاد تكمل صفين أو ثلاثة في صلاة التراويح والقيام، وتعليل هذا التزاحم لديهم أن تلاوة فلان أفضل من تلاوة فلان، بل يعلن هذه التفضيل على الملأ بلا أدنى خجل أو وجل.