لغتنا العربية وبقية اللغات الأخرى تحتوي على قدر كبير من المفردات والمترادفات التي يصلح استخدامها في الموقف الواحد لإعطاء معان عدة وهي أي اللغة العربية لاشك تتمتع بقدر كبير من المرونة وقد دلل على ذلك كثير من الشعراء في قصائدهم...
...سواءً في الجاهلية أو في صدر الإسلام أو حتى جهابذة الشعر في زماننا هذا.
تعتبر الكلمة في ثقافتنا العربية وسيلة رئيسية للحوار والتخاطب والتعايش ولاشك أنها تجذب إن تم استخدامها على نحوٍ إيجابي وتكون طاردة إن تم استخدامها عكس ذلك، والشاعر أو العالم أو الخطيب يعلم يقيناً أن قدرته على استخدام الكلم الإيجابي لا يُعتبر وسيلة لانتشاره فقط وانتشار ما يقول سواءً شعرا أو خطبا أو علما بل أيضاً يجتذب إليه التابعون وهو بحاجة إليهم ولا يستطيع التواصل والتقدم دونهم.
والتواصل اللغوي الإيجابي لاشك يؤدي إلى النتائج المرجوة بصورة غير متوقعة ولا يترك أثاراً سلبية أو استفزازية لدى الطرف الآخر، بعكس التواصل السلبي الذي يؤدي إلى اعتقاد الطرف الآخر بالمهانة أو الدونية إن كان المتحدثان من مستوى اجتماعي وثقافي واحد أو إلى الإقصاء ومصادرة الرأي والكبت والحرمان والقمع إن كانا مختلفين، ومهما اختلفت المستويات الاجتماعية والثقافية ووقع الشعور سواءً الأول أو الثاني فلا يودّ بأي حال أن يستمع المتلقي مجدداً أو أن تكون لديه الرغبة في التواصل مع طرف لا يستطيع استخدام لغة إيجابية للحديث مع الأشخاص.
تعلمنا أن استخدام العبارات الإيجابية في الحديث مع الأفراد أو المجتمعات لا يترك أثراً إيجابياً في نفوسهم فحسب وإنما يجعلهم يفعلون بالضبط ما يريده مستخدم العبارة الإيجابية دون أن يكون لديهم الرغبة في معرفة الأسباب ودون أن يترك لديهم انطباعات سيئة، فعلى سبيل المثال، العبارة التي عادةً ما توضع عند مدخل الموظفين في مكان يكتظ به المراجعون طالبي خدمة ما، وتُعلق عادة على الباب المؤدي لحجرة الموظفين أو بجانبه وتقول (يمنع دخول غير الموظفين - أو- ممنوع الدخول لغير الموظفين) تعتبر عبارة سلبية تترك لاشك أثراً سلبياً لدى من يقرأها معتقداً أن للموظف الذي يسمح له بالدخول ميزة لا يتمتع هو بها فضلاً عن أنها إشارة سلبية ناهرة وطاردة، وكان يمكن استخدام عبارة بديلة كأن يقال أو يكتب مثلاً ( الدخول للموظفين فقط أو يسمح بالدخول للموظفين)، العبارتان متماثلتان تماماً بالمعنى وتؤديان ذات النتيجة إلا أن الأولى فيها نهر واستخدام لكلمة «لا» و«ممنوع» والثانية إيجابية لم يتم استخدام كلمات النهي أو الترهيب فيها على الإطلاق. والجميل أن العبارة الثانية تبعث على احترامها وترك انطباع حسن لدى من يقرأها في الوقت الذي تستفز الأولى الأشخاص وتجعل سلوكهم عدائيا مع الموظفين رغبةً منهم في استخدام ذات الأسلوب اللغوي الزاجر.
ما يقال على المكتوب يقال على المنطوق أيضاً، فكثير من الأشخاص ممن زجروا بالطريقة ذاتها أصبح سلوكهم عدائيا وباتوا راغبين في التعامل بذات الأسلوب بينما من تم التعامل معهم بأسلوب لغوي إيجابي كان سلوكهم مسالما وتشكلت لديهم الرغبة في التعامل بأسلوب لطيف ومسالم غير زاجر.
لا يمكن بناء العلاقات الإنسانية التي تفسح الطريق لمعالجة المشكلات إلا عبر مد جسور التواصل الفعال الإيجابي وتحسين الجو العام ، الأمر الذي يؤدي دون شك لزيادة فرص النجاح في حل المشكلات أو تناول المواقف التي تحتاج إلى تواصل وإقناع، بالمقابل، لم يكن يوماً التواصل السلبي ناجحاً وإن نجح وقتياً إلا أنه لن يؤدي غرضه على المدى البعيد فضلاً عن انعدام فرص نجاح المشكلة بشكل عام، وهو نشاط حياتي يومي نمارسه في المنزل والشارع والعمل والمدرسة والجامعة ووسائل الإعلام، وبقدر ما يكون الحوار إيجابياً يكون مثمرا في حياة الفرد وحياة الجماعة. وبقدر ما يكون سلبيا يكون هداماً لكيان الفرد وكيان الجماعة.
ولست حقيقةً بصدد استعراض أنواع الحوار وأشكاله لكني أردت أن أبين أن الكلمة الإيجابية يمكن بسهولة أن تحل مكان السلبية وتؤدي ذات الغرض خصوصاً إذا كان الأمر متعلقا بعملية إقناع واستمالة وكان به من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. وقد قال أحدهم كما أن الآنية تمتحن بأطيانها، فيعرف صحيحها من مكسورها، فكذلك الإنسان يعرف حاله من منطقه. إلى لقاء قادم إن كتب الله.