قبل سبع وعشرين سنة نشرت في صحيفة عكاظ العدد 6412 وتاريخ 23-3-1404هـ يوم الثلاثاء الصفحة الخامسة عشرة قصيدة أهديتها للشاعر الكبير الدكتور غازي القصيبي (رحمه الله) بعنوان إن مكانك العلياء لا تحت الرماد وهي بمناسبة ديوانه (أبيات غزل)..
|
.. حيث وجدت هذا الديوان ممزقاً يلعب به الصِّبْيَة ويحرقون بعض صفحاته فاستنقذته منهم فكتبت هذه الأبيات:
|
(1) دفء الحروف توهج فيه |
والحب بعض من معانيه |
وقلائد قد نضدت درراً.. فمن ملقيه؟! |
يتقاذفون به الصغار كأنه كرة.. |
فمن له يحميه؟! |
قد صاغها (غازي) لنا.. |
شعراً جميلاً وما أحلى قوافيه |
ما كنت أعلم أن شعرك شاعري... |
يلقى الهوان!! |
فقلت: يا شلت يد ترميه!! |
(2) من ذا الذي قرأ الحروف... |
ولم يصن تلك الحروف؟! |
ألقى بها من شاهق.. |
لم يحترم حق الضيوف! |
والشعر أكرم زائر.. |
إن حل ضيفاً فهو رمز للضيوف |
والشاعر المعطاء لا يفنى |
سيبقى رغم أنواع الحتوف!! |
(3) عش أيها الديوان في قلبي.. |
فإن الشعر زادي |
عش في ضميري |
فالهوى أضنى فؤادي |
عش في حياتي فرقداً |
ما ملّ من طول السهادِ |
عش في كياني.. |
وتربع فوق مكتبتي.. |
فإن مكانك العلياء.. |
لا تحت الرماد!! |
وتمضي السنون والمبدع غازي يتنقل بنا ثقافياً بين شعر وراوية، بين سرد، ونثر، بين إبداع وتأليف حتى لتشعر أنه متعب الناس وشاغلهم ينتج ويبدع، وطلاب الأدب والمعرفة في سهر وخصومة كما قال المتنبي:
|
أنام ملء جفوني عن شواردها |
ويسهر الخلق جراها ويختصم |
ثم التقيته ثانية (رحمه الله) في عام 1421هـ يوم أنجز كتابه الإداري الهام في بابه (حياتي في الإدارة) والذي تداخلت معه في دراسة نشرتها مجلة اقرأ العدد 24 ربيع أول 1421هـ وقد أكدت فيها أن غازي يمثل ظاهرة إبداعية سميتها (الغاز قصيبيه) فهو مجموعة إنسان تتجلى فيها مظاهر الشخصية المتعددة ثقافياً فهو الإداري، والباحث والكاتب والشاعر والروائي ولكل من هذه الجوانب ما يمثلها إنتاجاً وإبداعاً وتميزاً في الوقت نفسه.
|
وآخر اللقاءات الثقافية مع هذه الشخصية المتعددة والمحورية يوم أن كتبت عن (الأسطورة) ذلك المنجز الأخاذ للدكتور القصيبي فهو بين السيرة والتاريخ، بين الذكريات والحكايات، ولكن الذي يجمعها أنها سرد أو (نص) كما أسماه غازي نفسه. في هذه المثاقفة وجدت القصيبي (رحمه الله) يؤسطر لقارئه حياته مع (ديانا) أميرة ويلز الظاهرة الغريبة في التاريخ البريطاني، وقد نشرت هذه الدراسة في جريدة الرياض يوم الخميس 2-6-1421هـ.
|
إن شخصية كغازي القصيبي رحمه الله يشكل ظاهرة ثقافية لا تتكرر في التاريخ، وإن خسارتنا وفقدنا فيه لا يعوّض لكن يكفينا ما تركه لنا من منجزات إبداعية.
|
قبل أيام فرحنا بعودته إلى الوطن من مشفاه الخارجي ثم فرحنا بالفسح الوزاري لجميع رواياته وكتبه الممنوعة من التداول في داخل البلاد لكننا اليوم فجعنا بخبر وفاته والتحاقه بالرفيق الأعلى.
|
عزاؤنا فيك أنّ الأيام لا تبقى لأحد، ولا تُبقي أحداً، اليوم يصيبنا الفقد والأسى لعَلَم ورمز شامخ لكنه سيظل بيننا مثقفاً ومبدعاً وإدارياً بارعاً.
|
|
|