إن القارئ الكريم لهذا التوجيه الملكي الكريم, يقف معه بنظرة شمولية, فيدرك أن له دلالات عميقة مؤثرة على المسيرة المباركة لهذه البلاد, يمكن أن تسطر من خلال المعالم الآتية:
المعلم الأول:
تجديد ترسيخ ثوابت هذه البلاد من خلال ما وجه به خادم الحرمين الشريفين -وفقه الله - لسماحة المفتي العام لتعميق منهجية الفتوى والتلقي لأمور الدين ومسائله, وبخاصة بعدما فتحت كثير من وسائل الاتصال شاشاتها لمن كان مقتدراً ولمن لم يكن كذلك.
إن خادم الحرمين الشريفين -وفقه الله- يجدد ترسيخ هذا الثابت من ثوابت البلاد ليدرك الجميع أن هذه البلاد تنطلق من قواعد ثابتة واضحة المعالم.
المعلم الثاني:
مما يحمله هذا التوجيه تجديد أهمية المرجعية الشرعية في البلاد, وبخاصة في المسائل العامة, والنوازل, وما يؤثر على المصالح العليا, وما يكون متعلقاً بالمجتمع بعامة, ولقد كانت هذه البلاد منذ عهد المؤسس -رحمه الله- وهي تسير وفق هذه المرجعية الشرعية, وهي بإذن الله عاصم من العواصم, ومانع من تسرب أي انحراف أو غلو أو تساهل أو فوضى أو اضطراب أو تشكيك في دين الله عزَّ وجلَّ.
المعلم الثالث:
ومن المعالم الأساسية لتوجيه خادم الحرمين الشريفين -وفقه الله- تسطير المنهجية الدقيقة في التعامل مع عامة المسائل التي يحتاجها الناس في معاملاتهم الفردية, وهي ما يعرف بالفتوى الخاصة التي بين السائل والمفتي فهذه فيها مساحة واسعة إذا لم تتعد لشواذ الآراء, أو الآراء المرجوحة غير المعمول بها.
وبهذه المنهجية التي سطرها توجيهه -رعاه الله وسدده- يتعين التعامل معها التعامل اللائق بها, وفهمها, وفقهها فهي المؤدية لأهدافها المرجوة إن شاء الله.
المعلم الرابع:
حدد هذا التوجيه الكريم المنطلقات الأساسية لمرجعية الفتوى, ومن ذلك إبراز أهميتها وخطورتها كما جاء في قوله تعالى: {وَلاَ تَقُولُواْ لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلاَلٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُواْ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ لاَ يُفْلِحُونَ، مَتَاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}.
فالفتوى لها خطورتها, والتخبط فيها انحراف في مسارها, نتيجة الظلم والاعتداء والفوضى والارتباك والتشكيك في الدين ومصادره, والاستهزاء والسخرية, والعبث والتلاعب في النصوص.
ومما يدخل في ذلك؛ التعالم من بعض الذين يتناولون بعض الموضوعات الشرعية في بعض وسائل الإعلام, ووسائل الاتصال, أو تنصيب النفس وإعطائها فوق منزلتها لتقول في دين الله تعالى, ومما يدخل في ذلك التعالم على تصحيح وتضعيف بعض الأحاديث وتحكيم العقول والأهواء بقبولها أو ردها.
المعلم الخامس:
تجديد ترسيخ الدعائم المؤسسية التي قامت عليها البلاد في مرجعية الفتوى, والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, والدعوة والإرشاد, وقد قامت هذه المؤسسات بأدوارها, وهي تقوم بذلك بكل اجتهاد واحتساب وفق أسس معلومة, وآليات مدروسة, وتقويم مستمر, مما يتعين على الجميع -وفق التوجيه الكريم- التعامل معها وتشجيعها, والمبادرة في التعاون معهما وعدم التعدي على شخصيتها الاعتبارية, أو التهوين من شأنها, أو التقليل من أداء دورها ومسؤولياتها, أو دعوى إصلاحها قولاً ومناقضة ذلك بالفعل بكتابة أو خطابة أو تصريح أو تلميح.
ولا شك أن هذه المنهجية الواضحة الرائعة تحدد المسارين المهمين مسار البناء نحو طلب الكمال, والرقي في جميع شؤون الحياة, ومسار معالجات الأخطاء, والحد من التناقضات والممارسات الفوضوية.
المعلم السادس:
يبين التوجيه أن للدعوة والاحتساب أبوابه الشرعية, كما أن للفتوى المعتبرة ضوابطها المرعية, وأن الخروج عن ذلك يسبب أخطاراً على الفرد نفسه وعلى المجتمع بأسره وهذا ما يدعو للأخذ على يد المتسبب, والخارج عن هذا النهج المبارك, وهو في الوقت نفسه ترسيخ لعمق المنهج السعودي المبارك نحو الدين والعلم.
المعلم السابع:
هذا التجديد للثوابت يهدف إلى المصالح العليا, والتي حددها التوجيه المبارك وهي مصلحة الدين, وهذا ما تعاهده قادة هذه البلاد من عهد المؤسس غفر الله له, وهو الأساس الشرعي الملكي وكذلك مصلحة الوطن التي تنصب فيه مصلحة الجميع, هذه الأهداف عندما تكون حاضرة في ذهن الكاتب والداعية والآمر بالمعروف والناهي عن المنكر تكون قائدة له ليكون عمله وسعيه لهما, وهي في الوقت نفسه حاجز عن الانحراف إلى أهداف مشبوهة.
حقق الله آمال قادة البلاد ورعاتها وعلى رأسهم خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي عهده وسمو النائب الثاني لما فيه مصلحة البلاد والعباد, ووفق علماءنا وقضاتنا والآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر لما فيه الخير والصلاح والاجتماع, وحمى الله البلاد من كل مفسد ومخرب إنه ولي ذلك والقادر عليه.
عضو مجلس الشورى
faleh@alssunnah.com