اطّلعتُ على تغطية جريدة الجزيرة الغراء لفقيد الوطن الدكتور غازي بن عبدالرحمن القصيبي عن وصيته بسرعة الصلاة عليه ودفنه...!
|
وهذه وصية مؤمن بقضاء الله وقدره، وقرب ساعة أجله الذي يلقى فيه وجه ربه مع الذين سبقوه من إخوانه المؤمنين..
|
إنها وصية مؤثرة ومبكية لمن قرأها، فقد فجرت محاجر أدمعي وأنا أقرأ تصريح مدير مكتبه على أنها آخر وصية أوصى بها وهو على فراش المرض، وصية ساعة الاحتضار والقضاء الذي لا راد له، ووصية لم يوصِ بأعظم منها وهي سرعة ملاقاة ربه محسناً الظن به إيماناً بملاقاته ليرحمه ويغفر له ولا يعذبه.
|
|
يا عالم الغيب ذنبي أنت تعرفهُ |
وأنت تعلم إعلاني وإسراري |
وأنت أدرى بإيمان مننت به |
على ما خدشته كل أوزاري |
أحببتُ لقياك يشفع لي |
أيُرتجى العفو إلا عند غفار؟ |
فالقصيبي ودع الأرض وما على ظهرها من أهل وأحبة حباً بلقاء ربه الذي أحسن الظن به ليشفع له ويعفو عنه، إنني أرفع أكف الضراعة إلى الله أن يغفر لفقيدنا فقيد الوطن الذي من الصعب علينا فراقه، لأن له في سويداء قلوبنا حب لما قدمه من خدمات من الصعب حصرها، فقد وهبه الله قدرة فائقة في تحمل الكثير من المهام العلمية والفكرية والوظيفية، توجها بوطنيته المثلى وتواضعه الجم حباً لأبناء وطنه، ولم يستصغر نفسه ويقلل من قيمتها في أحد المطاعم التي يعمل فيها شباب سعوديون، وعمل في المطعم الذي يعملون فيه (نادل) لتقديم طلبات الزبائن تشجيعاً منه أن يواصلوا العمل بلا حرج وتراجع، لأنه عمل من الأعمال الوطنية التي لا تزيدهم إلا شرفاً ورزقاً قاصراً أيديهم مدها إلى الغير، فكسر الحرج عند بعض الشباب الذين تهيبوا الأعمال في المطاعم لأنها غير مألوفة في بلادهم، كما يعد فقيد الوطن من الذين أبقوا ذكراً طيباً لأجيال تتحدث عنه، وعن خدماته مستفيدة من خبراته التي تخلد ذكره وتبقيه حياً في ذاكرة الوطن علماً من أعلامه الأوفياء ورمزاً من رموزه المخلصين الذي استطاع بما وهبه الله تقديم أفضل الخدمات وأبقاها في مختلف الوظائف القيادية: وزيراً أمين المسؤولية، وسفيراً مخلص الوطنية، وأستاذاً واسع المعلومة، ومؤلفاً متنوع العطاء، وشاعراً جزل القوافي، وروائياً بارع الخيال، وقاصاً واقعي التصور... وحظي بثقة القيادة الرشيدة بتوليه عدد من المناصب التي من الصعب عبر هذه السطور تقصيها.
|
فأحبه المواطنون الذين وجدوا فيه حباً لوطنه الذي يبقي له ذكراً طيباً في سجل العظماء الذين يخلدهم التاريخ بحروف من الذهب، ففقيد الوطن أفنى عمره لتقديم أفضل الخدمات الوطنية وأكثرها بقاءً وفائدة لأبناء الوطن الذين أحبهم وأحبوه. إنه فقيد الوطن الذي يتقبل نقد المواطنين بروح مواطن لا يلجه إلا حب الوطن وقادته وتفانيه لخدمة أبنائه! إنه فقيد الوطن الذي من الصعب تقصي مآثره في هذه السطور التي مهما تعددت لا نستطيع أن نفيه رثاءً، وثناءً، وذكراً! إلا الدعاء أن يغفر الله له ويسكنه فسيح جناته ويلهم أهله ومحبيه الصبر والسلوان.
|
بريدة - نادي القصيم الأدبي |
|