قال تعالى:{كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الموت} وقال الشاعر
|
كل ابن أنثى وإن طالت سلامته |
يوماً على آلة حدباء محمول |
فجع الوطن العربي والإسلامي بوفاة علم من أعلام هذا العصر شغل الناس وأثار كوامنهم وشجونهم أحيا فيهم التفكير والتفكر في آمالهم وآلامهم ذلك الرجل الذي كان مجموعة رجال في رجل واحد رجل متعدد المواهب يتربع على عرش الأدب تارة ويتربع على عرش الدبلوماسية تارة أخرى ناهيك عن مشاعره التي يترجمها في قصائد لا ينقصها الوزن والقافية ناهيك عن صدق العاطفة كذلك امتاز بالعقل الراجح والرأي السديد ناهيك عن أعماله التي يصعب حصرها في سبيل الخير والتكافل الاجتماعي منذ أن جاء معلما في جامعة الملك سعود وتحديدا في كلية التجاره آنذاك غير مفهوم العلاقة بين أستاذ الجامعة والطالب وكانت العلاقة سابقا هي التعالي لدى أغلب الأكاديميين جاء ليغير هذا المفهوم تجده بين الطلاب في ردهات الجامعة وفي دهاليزها وفي صلاتها وفي أماكن الاستراحات التي يرتادها الطلاب لتناول المشروبات الغازية والشاي يجلس بينهم ويحاورهم ويوجههم ثم عمل مديرا عاما لسكة الحديد فاستطاع أن ينهض بها ثم انتقل إلى وزارة الصناعة والكهرباء ليكون هاجسه الأول إيصال نعمة الكهرباء إلى كل مدينة وقرية إلى أعلى جبل وإلى أسفل وادٍ، فالناس سواسية كأسنان المشط سواء في المدينة أو القرية في الجبال وفي السفوح ليصدر قراره الشهير بأنه لا مصنع إلا بجانبه مسجد تؤدى فيه الركن الثاني من أركان الإسلام الخمسة وتدور السنون ليتولى زمام أمر وزارة الصحة قال ذات مره: كنت أجلس بجانب الملك فهد- رحمه الله- بالطائرة وكان يراجع بعض التقارير ثم التفت إلي قائلا: يا غازي إن حياة المواطن الصحية متردية من الأسفل إلى الأسفل وسوف أتولى وزارة الصحة. فقلت: إن مشاغلك كثيرة من ولاية للعهد ونائب لرئيس مجلس الوزراء إلى أمور كثيرة ثم سكت برهة, وقال: سأوليك هذا المنصب فاستعن بالله وكان ما كان أن عمل وزيراً للصحة فتغيرت الخدمات الصحيه ليس في المدن فقط بل حتى في الأرياف هذا التغير ليس فقط بالمباني بل حتى في الكوادر المؤهلة والخدمات الراقية وتمر السنون ويتولى دفة الدبوماسية في البحرين ثم بريطانيا ليحقق نجاحا بعد نجاح ويتولى وزارة العمل ليرسم الخطط تلو الخطط لمحاربة البطالة ولكن أفكاره وخططه تصتدم بمعوقات خارجة عن إرادته سواء من الشركات وأصحابها أو المؤسسات وحتى المجتمع ولكنه بقي شامخاً كالطود لا يأبه بمن حوله معلناً التحدي. إن الحديث عن ذلك الرجل المتعدد المواهب من الصعوبة بمكان أن تتحدث عن جميع تلك الجوانب هل تتحدث عن شاعريته أو أدبيته أو دبلوماسيته أو إدارته أو عن قوة إيمانه أو تصديه لمن حاربوه في عين العاصفه التي ما أن هدأت حتى عاد جل من حاربوه إلى الاستسلام له والانقياد لأفكاره ليعلمو ويتيقنوا أنه كان على صواب وهم على خطأ كان محاربوه ينتمون إلى مدارس ونحل مختلفة فبعضهم حاربه من نابع الغيرة والحسد نظرا لنجاحاته والبعض لأفقه الضيق ونظرته الدونية التي لا تتعدى أرنبه أنفه والبعض لأهداف خاصة والبعض من أجل الشهرة. يقول المفكر الشيخ صالح البليهي:إنه منذ خمسمائة عام لم تنجب الأمة الإسلامية والعربية إلا مفكرين بعدد أصابع اليدين وأحدهم الدكتور غازي القصيبي.
|
لقد سعدت وتشرفت بمقابلته أبان زيارته لحفرالباطن لافتتاح أول مستشفى وكان أمير حفرالباطن حسين بن عادي- رحمه الله- يقوم بالتعريف على من اصطف لاستقباله وهم مجموعة من شيوخ القبائل وكان يتولى التعريف بهم قائلا: الأمير فلان والأمير فلان والأمير فلان حتى نهاية من اصطف عندها، قال الدكتور غازي: يا أخ حسين هل سكان المدينة كلهم أمراء ولا يوجد مواطنين::: كان موكب الدكتور غازي يسير وفق ما خطط له ليقوم بجولة على المدينة وفجأه طلب رئيس المحكمة من الموكب أن يسير في طريق آخر ليريه أمرا ما حول نزاع بين خصمين على قطعة أرض عندها قال معاليه: أيها الشيخ الجليل لقد جئت هنا لهدف واحد وليس لي صلاحيات في البت في تلك النزاعات وقد طلبت مني أن أسلم رسالتك لمولاي خادم الحرمين الشريفين وتأكد بإذن الله بأنها ستصله.
|
والحديث عن مناقب ومآثر معاليه كثيرة ومن المواقف الطريفة عندما كان يحيي أمسية شعرية في مدينة المصطفى وكان أميرها صاحب السمو الملكي الأمير مقرن بن عبدالعزيز من ضمن الحاضرين وفي نهاية الأمسية فتح المجال لاستقبال الأسئلة فسأل سائل قائلا: يا صاحب المعالي أنت وزير وشاعر وكاتب قصيدة وكاتب رواية وناجحا في الإدارة فكيف استأثرتا بتلك الخواص فأجابه معاليه: بأن المسألة تعتمد على تنظيم الوقت ثم ما بالكم لا تنظرونا إلى أميركم أمير ابن ملك وطيار ماهر ومزارع وعالما بالنجوم وأسرارها.
|
وأخيرا أدعو الله عز وجل بأن يتغمد روحه ويدخله فسيح جناته والعزاء ليس لذويه فقط وإنما لكل مواطن مخلص وغيور والخاتمة أقول:
|
أرق الفؤاد وهل ينام السهد |
ورنا إليه من النجوم الفرقد |
حفر الباطن |
|