يقول أحد مفكري التربية: إن قيمة المال تتحدد عندما يتوقف الطفل عن وضع النقود في فمه ليحفظها في جيبه!.. في إشارة إلى التحول الزمني في فهم قيمة النقود... تذكرت هذه المقولة حين رأيت امتعاض أحد الأصدقاء من سلوك تباهي بعض السياح الخليجيين في بريطانيا هذا الصيف وهو يروي مشاهداته في مناطق تجمعهم وتباهيهم في عاصمة تزداد رفوف مكتبتها الوطنية 150 سنتيمترا كل ساعة!
كان صاحبي يتحدث بحرقة عن إجمالي المخالفات المرورية المتعمدة والتي بلغت 6 ملايين دولار في محيط لا يتجاوز كيلومترات تعد على الأصابع !.. حديث صاحبي المكلوم من سخرية وعجب البريطانيين والسياح الأجانب حين يشاهدون الاستهتار والعبث بالمال والشعور بالمجد في كسر أنظمة الأماكن المخصصة لمواقف السيارات في صورة تجسد الاستخفاف بقيمة المال لينطبق الوصف الإنجليزي «toilet-paper dollar»!
كثير من الممارسات التي يمارسها بعض أولئك السياح تعكس اختلالات صارخة في العلاقة الطبيعية بين أفراد المجتمع... إذ كيف يمكن قراءة سلوك فتيات يرتدين ملابس سهرة ويضعن أكوام المساحيق على وجوههن في الساعة الواحدة ظهراً وكأنهن يحضرن حفلة كبرى أو مناسبة زواج لأقرب أقربائهن!... وإذا كان هذا حال بعض الفتيات الخليجيات فلم يكن الشباب بأحسن حال منهن حيث الاستعراض والتسكع بكل ما له قيمة خارج الإنسان نفسه!
لا أريد أن أحمل المجتمعات الخليجية أوزار فئة لا تقيم للمال ولا احترام الأنظمة والثقافات وزنا ولكني أوجه أسئلة لا ينبغي أن نتجاوزها في سياق الوعي بأخطائنا وقصورنا وتقييمنا لبرامج التنمية في منطقة الخليج - المحفوفة بالأخطار والتحديات - وتكلفة فاتورتها في إطار المدخلات والمخرجات... قد يقول قائل: إن بعض أولئك العابثين بالأنظمة وكسر القوانين المرورية لا يبالون بقيمة تلك المخالفات لأنها لا تشكل شيئا بالنسبة لما يملكون من ثروة، لكن هذا الطرح يتجاهل ارتباط الوعي بقيمة المال بقيمة الحياة نفسها وما يتصل بها خصوصا وأن غالبية تلك الفئة ممن تيسر لها أفضل المقومات النوعية في بناء الإنسان من تعليم وصحة وإطلاع على الثقافات وغيرها... يقول بيلي غراهام: إذا كان موقف الشخص تجاه المال سويا فإن موقفه تجاه الحياة بكل جوانبها سيكون سويا وإذا كان العكس فلن يكون سوى العكس، ويدعم هذا القول مفكر آخر بقوله: إن موقفنا من الحياة وقيمة المال يحدد موقف الحياة منا كأناس منتجين في مسيرة التنمية!
أخيراً من المؤسف أن تكون صفوة المجتمعات هي من يمثلها في الخارج ويعكس درجة وعيها وثقافتها والتزامها باحترام القوانين والأنظمة في الوقت الذي تجير فيه تلك الممارسات السلبية واللامسؤولة لتلك الفئات في الحساب العربي الملئ في الذهنية الغربية بالصور والأنماط السلبية!