عقوق الوالدين من الظواهر التي نهى عنها الإسلام وحذر منها بشدة حتى لا تفقد الأسرة ترابطها ويفقد معها المجتمع لحمته وتواصله، وللعقوق صور وأشكال متعددة تشمل قطع الرحم الذي نهى الإسلام أيضاً عنه..
.. والذي يؤدي أيضاً إلى النتيجة ذاتها سواءً في الأسرة الصغيرة أو المجتمع بأكمله.
نعلم أن من صور عقوق الوالدين نهرهما وزجرهما والتأفف لهما وأمامهما وإبكائهما والتسبب في إحزانهما بالقول أو العمل ورفض أوامرهما وعدم تلبية متطلباتهما وترك الإصغاء لهما والتندر بأفعالهما وذمهما وشتمهما وإثارة المشكلات أمامهما سواءً مع الأخوه أو الأزواج والمكوث خارج المنزل كثيراً ولمدة طويلة وجلب المنكرات للمنزل أو ما يبعث على إغضابهما أو ممارسة منكر أمامهما إلى جانب ما قد يصل الأمر إليه من التعدي عليهما بالضرب أو بالقول أو بتشويه السمعة وتقديم طاعة غيرهما عليهما والبخل في العطاء والبذل لهما ورفض مطالبهما وعدم السعي لتحقيق مرضاتهما في صغائر الأمور قبل كبائرها بل والسعي في تعمد هجرهما وتصغيرهما.
كثيرة هي أوجه وصور عقوق الأبناء وقد لا يكفي مقال لحصر تلك الصور حيث إن ما يبعث على إغضاب الوالدين في هذا الزمان كثير ولا يمكن وصفه أو حصره، كما أن ما ينبغي فعله من تصرفات في سبيل طاعتهما أيضاً لا يمكن أن يتم ذكره هنا لكثرتها وتعددها، لكن ماذا لو كانت تلك التصرفات الباعثة على إغضابهما ناتجة من الوالدين أو أحدهما تجاه الأبناء؟
فمن الظواهر السيئة التي نراها هذه الأيام من عقوق الأبناء لوالديهم والقصص التي نسمعها في وصف ذلك العقوق في صور بشعة يندى لها الجبين، نسمع على الجانب الآخر قصصاً لوالدين أو أحدهما وقد ساء تصرفه مع أبنائه بشكل لايمكن تصديقه أو قبوله، فذلك الأب الذي يمارس شتى أنواع التعذيب لأبنائه وآخر ينهر ويزجر ويضرب ويشتم ويثير المشكلات للخروج من المنزل والمكوث خارجه طويلاً وآخر يمارس ما يحلو له من المنكرات في منزله وأمام أنظار أبنائه وزوجته، بل إن منهم من يستخدم أحد الأبناء لجلب متعته، وآخر يترك المنزل بشكل كامل ويحمل زوجته مسؤولية رعاية الأبناء والصرف عليهم إن كانوا صغاراً أو أن يتجرد من جميع ما يربطه بأسرته ويخرج دون رجعه ودون أن يكلف نفسه عناء السؤال عن زوجته أو أبنائه، بل بلغ الأمر ببعضهم أن قطعوا جميع وسائل الاتصال مع أسرهم كي لا يسمعوا عنهم ما قد يعكر صفو متعتهم الزائفة وهم كثر.
عقوق الآباء لأبنائهم موجود، وكثيرون لم ينتبهوا له ولم يتناولوه وعلى الرغم من أنه ظاهرة موجودة وقديمة وتأخذ صوراً وأشكالاً شتى. ويشتكي العديد من الأبناء منددين بعقوق آبائهم لهم ومعاملتهم لهم مطالبين بحقوقهم وما سنه الإسلام في هذا الجانب من ضرورة حسن اختيار أمهاتهم وتعليمهم والصرف عليهم والرفق بهم، فكما أن للوالد حقاً على ولده، فإن للولد حقاً على والده، ولو أن كليهما عرف حق صاحبه وأدّاه لازداد خيرهما وترابطهما وذهب عنهما ما يسوؤهما ويفرقهما.
إن كان الإسلام قد نهى عن عقوق الأبناء لوالديهم وحذر من ذلك وما قد تصل إليه الأمور جراء ذلك العقوق فما الحكم في حال هؤلاء ممن فضلوا (ترك الجمل بما حمل) والابتعاد نهائياً عن أسرهم وواجباتهم الشرعية.
التصحيح يجب أن يبدأ بمعرفة الناس ضرورة ألا يبحثوا عن حقوقهم وما لهم قبل أداء واجباتهم وما عليهم، فحين يقصر الإنسان في واجبه، فليس من الحكمة أن يسأل عن حقه، بل يجب على الآباء أن يتعاملوا مع أبنائهم لا من باب الحقوق والواجبات ولكن بمبدأ الأمانة والعاطفة والمعاملة الحسنى التي أمر بها ديننا الحنيف، فعملية الإنجاب لم تكن يوماً سبباً كافياً لفضل الوالدين على الأبناء بل كان فضلهما في تربية أبنائهم وإحسان معاملتهم والبقاء معهم ولعب دور القدوة لهم وإلا فالفضل الذي لهما على أبنائهم يسقط ولن يكون لهما الحق في الفضل الذي وهبهم الله إياه.
وكما قال رسول الله عليه أفضل الصلاة والتسليم: ( إياكم وعقوق الوالدين فإن ريح الجنة يوجد من مسيرة خمسمائة عام، ولا يجد ريحها عاق) فإنه صلى الله عليه وسلم قال أيضاً: ( الولد ريحانة من الجنة). وقد جاء في الأثر أن معاوية أمير المؤمنين غضب على يزيد، فهجره، فقال الأحنف: يا أمير المؤمنين أولادنا ثمار قلوبنا وعماد ظهورنا، ونحن لهم سماء ظليلة وأرض ذليلة وبهم نصول على كل جليلة، فإن غضبوا فأرضهم، وإن سألوا فأعطهم، وإن لم يسألوا فابتدئهم، ولا تنظر إليهم شزراً، فيملوا حياتك ويتمنوا وفاتك. فقال معاوية: يا غلام إذا رأيت يزيد فأقرئه السلام، واحمل إليه مائتي ألف درهم، ومائتي ثوب).
إلى لقاء قادم إن كتب الله