بيروت - منير الحافي
إثر الحادث الذي حصل في قرية العديسة عند الحدود اللبنانية مع فلسطين المحتلة، وتصدي الجيش اللبناني لجيش العدو الإسرائيلي، ظهرت تساؤلات في الداخل اللبناني عن كيفية دعم الجيش ليكون على أهبة الاستعداد للذود عن الوطن في مقابل الإسرائيليين.
وإثر زيارة رئيس الجمهورية ميشال سليمان لموقع الحادث، ودعوته إلى إنشاء صندوق لدعم الجيش مادياً، خرج هذا الصندوق إلى العلن، وافتتحه وزير الدفاع الياس المر شخصياً.
إزاء ذلك، توجهت «الجزيرة» إلى الخبير العسكري والإستراتيجي العميد المتقاعد وهبي قاطيشا، وسألته عن الوسائل التي يراها ناجعة لدعم الجيش، ليكون على مستوى التحديات التي تواجهه خصوصاً في مواجهة إسرائيل. وكان هذا اللقاء.
حضرة العميد، بعد الذي حصل من اشتباك بين الجيش اللبناني وجيش العدو الإسرائيلي في العديسة، زار الرئيس ميشال سليمان الموقع وطلب من اللبنانيين دعم الجيش، ثم افتتح وزير الدفاع صندوق دعم للجيش. كيف ترى هذه الخطوة؟ وما هو مدى نجاحها برأيك؟
- هذه الخطوة جاءت كردة فعل على حادث عرضي حصل في الجنوب، بين الجيش اللبناني وجيش العدو الإسرائيلي. أعتقد أنها مبادرة وجدانية من قبل الرئيس، العماد ميشال سليمان، وهو ابن المؤسسة العسكرية، حث فيها جميع اللبنانيين على أمرين: الأول أن يساهموا ما أمكن من المال عربون ثقة ووفاء لهذا الجيش، وبطريقة غير مباشرة عدم الركون في الدفاع عن الوطن إلى أي فريق مسلح خارج إطار الجيش، وبالتالي استبعاد القوى غير الشرعية. والثاني، أن يثقوا بجيشهم بأنه قادر على مواجهة العدو.
نجاح هذه الخطوة سيكون محدوداً جداً لأنه لا يمكن أن يبنى جيش لوطن على مساعدات وتبرعات، لأن نجاح هذه الخطوة المرتكزة على التبرعات تتطلب صيانة هذا النجاح، أي استمرار التبرعات، وهذا أمر غير عملي وشبه مستحيل.
هل يكفي المال وحده عندما يتأمن، في دعم الجيش الوطني؟
- لا يكفي المال لوحده لدعم الجيش اللبناني، حتى وإن كان مصدر هذا المال خزينة الدولة فقط. فالدعم الأساسي للجيش الوطني يجب أن ينطلق من التفاف المواطنين حوله، ووحدة نظرة هؤلاء المواطنين إلى الجيش، وعدم وجود قوة مسلحة غيره فوق الساحة، وإلا أصيب معنوياً. إذن، الدعم يأتي من وحدة اللبنانيين.
للآن لم يتبلور الموقف الأميركي من تسليح الجيش. ولكن في حال قررت الولايات المتحدة وقف مساعداتها للجيش، كيف يتأثر الجيش؟
- الموقف الأميركي داعمٌ للجيش، وقد قدمت الولايات المتحدة للجيش مساعدات بحوالي 400 مليون دولار. لكن الجيوش لا تبنى على المساعدات فقط. والموقف الأميركي الأخير، جاء ردة فعل على حادثة العديسة.
فالأميركيون يعتبرون الحادثة غامضة، وأن هناك فريقاً آخر دخل على الخط لافتعالها.
ولولا ذلك لكان بالإمكان تجاوز الموقف الأميركي، لو لم يشعر الأميركيون بأن هناك فريقاً آخر دخل على الخط لخربطة الوضع.
لكن إذا قررت الولايات المتحدة وقف مساعداتها للجيش، وهذا برأيي أمر مستبعد، يتأثر الجيش، ولكن ليس بشكل جذري لأن ما تقدمه له واشنطن ليس أساسياً كالذخيرة مثلاً، فما يقدمه الأميركيون يقتصر على ناقلات جند وسيارات جيب وبعض العتاد، إضافة إلى تحمل كلفة تدريب عسكريين لبنانيين ضمن دورات في الولايات المتحدة.
من هي الدول التي برأيك، يستطيع لبنان اللجوء إليها لتسليح الجيش، - سواء عبر شراء الأسلحة أو من خلال الهبات؟
- يمكن اللجوء إلى معظم دول العالم الغربي وحتى الشرقي في بعض العتاد، باستثناء الدول التي يمكن أن تأخذه رهينة.
مثلاً؟
- إيران مثلاً، لأن عملية التسلح تشكل رابطاً يمكن لمصدر الأسلحة أن يتحكم بسياسة البلد الذي يشتري أو يقبل هذه الأسلحة خصوصاً إذا كان بلداً صغيراً كلبنان.
* ما هي الميزانية المرصودة لأسلحة الجيش وتجهيزه؟
- الميزانية المعتمدة في الجيش اللبناني هي أقل من مليار دولار في السنة تذهب في معظمها لرواتب العسكريين والطبابة والمحروقات وصيانة العتاد.. الميزانية ضعيفة لكنها تتناسب مع حجم الاقتصاد اللبناني.
ما هي الخطوات الأخرى لدعم الجيش في عمله على الحدود وداخل الوطن؟
- أنا أعتقد أن الخطوة العملية لدعم الجيش هي في التخلي عن الأسلحة الموازية له، وبالتالي أن يرضى اللبنانيون دون استثناء بواقع أنه الوحيد الموكل إليه الدفاع عن الحدود وحماية السلم الأهلي.
في هذه الحالة، قد لا يهم نوع السلاح الذي يملكه لأن الأمن يأتي من هيبة الدولة وبالتالي هيبة الجيش.
تقنياً، ماذا يلزم الجيش ليبقى «القوة الأقوى» في الوطن؟ وهل يستطيع الجيش بقدراته الحالية أن يجاري الجيش الإسرائيلي في حال تجدد مثل الاشتباك الذي حصل في العديسة مؤخراً؟
- كي يبقى الجيش القوة الأعظم في الوطن، على الآخرين أن يتخلوا عن تنظيماتهم المسلحة.
أما السؤال إذا كان بإمكان الجيش مجاراة الجيش الإسرائيلي، فهذا أمر مستحيل حتى لو أعطي هبات من كل دول العالم لأن دول الشرق الأوسط مجتمعة لا يمكنها موازاة قدرة الجيش الإسرائيلي.
والاشتباك الذي حصل مؤخراً في الجنوب، حادث عرضي محلي يحصل بين الجيوش سواء أكانت قادرة أم ضعيفة.
كيف إذاً للبنان أن يبني جيشه؟
- الجيش الإسرائيلي جيش قادر لاقتصاد يتجاوز المئتي مليار دولار. والجيش اللبناني جيش متوسط لاقتصاد يصل إلى ثلاثين مليار دولار. التوازن إذن مستحيل.
لذلك علينا بناء جيش خفيف حتى لا نعطي للعدو أهدافاً دسمة لضربه. وعلينا أن ندرب جيشنا على القتال داخل المدن والقرى. وهكذا يشكل رادعاً للعدو الذي يحسب ألف حساب قبل أن يعتدي على أرضنا.
إذ بهذه الحالة نصبح نحن والعدو على المستوى نفسه من القتال عندما لا نعطيه أهدافاً كبرى لضربها. وهذا أمر سهل إذا كُلف العسكريون بتنظيم الجيش على هذا الأساس.