القرار تاريخي ولا شك، ذاك الذي حمل توقيع خادم الحرمين الشريفين في حماية جناب الفتوى من بعض التعاطي الجريء لها من خلال تناول بعض شواذ الآراء أو الجرأة في فتوى أخرى. ولا أقل من الإشارة في هذا الجانب رؤية هدم الحرم المكي الشريف ليكون مناسباً لرأي شاذ بعدم اختلاط الرجال بالنساء في أماكن العبادة في تحريم ما لم يُحرمه الله -سبحانه وتعالى- ولا رسوله -عليه الصلاة والسلام- ولا رآه الصحابة ولا التابعون الأوائل من المسلمين. إن رؤية الملك -حفظه الله- هي كرؤية أمير المؤمنين لحال الأمة، فهو يقوم بما أولاه الله إياه من مسؤولية حماية الدين وصون جناب الإسلام من عبث الأفراد وإغلاق المساحة عن السفهاء الذين جعلوا من الدين وسيلة شهرة تارة، ومنارة للتطرف والتشدد تارة أخرى، بل وصل الأمر في بعض الحالات أن تكون الفتوى مجالاً للوصول لأهداف شخصية متنوعة.
إن رؤية الملك حفظه الله، جاءت بوضوح جلي لا يقبل المساومة، فقد أصدر قراره بآيات تجاهلها كثير من أدعياء الفتوى في تعظيم القول على الله بغير علم ووصف التحريم بأنه جريمة في حق الله سبحانه وتعالى فهو تقوّل عليه بلا علم، وجريمة في حق الإنسان لأنه حرمان له من أبسط حقوقه بأن يعيش وأن يستمتع بما أحله له.
لقد وقّع الكثير من الناس من العلماء ومن غير العلماء، من العلماء الربانيين ومن أدعياء العلم، من طلاب فضل الله ورحمته، ومن طلاب الدنيا وشهواتها وطلاب الشهرة والتسلق عبر الدين، لقد وقّع هؤلاء بسم الله سبحانه وتعالى على فتاوى بعضها هي في حقيقة الأمر أتت من رأي الشريعة وأخرى هي آراء شخصية شاذة، وربما آراء جديدة للفت الانتباه أو زيادة في التشدد والتعصب والتطرف. كل هؤلاء وأولئك اجتمعوا على الفتوى فبعضهم يصيب وبعضهم يسيء.
وجاء خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز -حفظه الله- بقرار يفض الاختلاط بين العلماء الربانيين وبين أولئك الأدعياء، ويضع تنظيماً للعلم والعلماء وللفتوى بعيداً عن تلك الإساءات المتكررة لجناب الدين باسم الأدعياء.
إن الرجال الصادقين، والمواطنين المخلصين، والنساء اللاتي يردن أن يرين أبناءهن يعيشون في ظل أجواء وسطية لا غلو ولا إفراط ولا تفريط لهم سعيدون بهذا القرار التاريخي الذي سيحمي أبناءنا من التطرف ويقيهم شرور الناس الذين يصطادون في الماء العكر وينقلون أبناءنا من حالات الوسطية إلى حالات التشدد والتطرف والانحراف.
لقد أظهرت السنوات الأخيرة صدق مقولة عثمان بن عفان رضي الله عنه: «إن الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن» فلم تكفِ مواعظ القرآن الكريم بعض أدعياء العلم عن القول على الله بغير علم، فكان لقرار الملك حفظه الله وهو السلطان الحامي لجناب الشريعة والدين والحافظ بالسن والسنان لجناب الفتوى أن يصدر هذا الأمر التاريخي الذي سيحسب ضمن تاريخه التغييري على مستوى العالم الإسلامي كله ولن نستغرب إن رأينا عدة دول غداً تتبع رؤية الملك وتنظم الفتوى، فبمثل عبدالله بن عبدالعزيز تقتدي الأمم والشعوب.
www.salmogren.com