حدثت غزوات ومعارك حاسمة عبر تاريخنا الإسلامي حيث تكون تلك المعارك فاصلة بين المسلمين وأعدائهم، ومن المعارك الحاسمة في تاريخنا معركة عين جالوت، حيث حدثت هذه المعركة في الخامس والعشرين من شهر رمضان من سنة658هـ الموافق 3 سبتمبر 1260م...........
..... بين المماليك والتتار، واستطاع المماليك الانتصار على التتار وإيقاف تقدمهم عبر البلاد الإسلامية، واستبشر المسلمون وفرحوا بهذا الانتصار فرحاً كبيراً.
وكانت بداية هذه الأحداث سقوط مدينة بغداد في أيدي التتار يوم الأربعاء العاشر من صفر من سنة 656هـ الموافق 2 فبراير 1258م، بقيادة ملك التتار هولاكو، حيث تم القبض على آخر خلفاء بني العباس المعتصم بالله وقتله، وانتهت بذلك الخلافة العباسية، والتي امتدت قروناً طويلة.
وعلق أحد المؤرخين الإسلاميين على هذه الحادثة قائلاً: (وما دُهي الإسلام بداهية أعظم من هذه الداهية، ولا أفظع).
وفي شهر صفر من سنة 658هـ الموافق 1260م، تمكن التتار بقيادة ملكهم هولاكو من الاستيلاء على حلب، واستباحة أهلها وقتل الآلاف منهم، وامتلأت الأزقة والطرقات بالقتلى، وفعلوا بحلب ما فعلوا ببغداد.
ومن ثم تمكنوا في شهر رمضان من نفس السنة من الاستيلاء على دمشق، ولم يتبق لهم إلا الديار المصرية.
وكانت مصر تحت سلطة المماليك الذين أطاحوا بالأيوبيين سنة 648هـ-1250م، وكان السلطان سيف الدين قطز في تلك الأثناء قد تمكن من الاستيلاء على السلطة بمصر أواخر سنة 657هـ-1259م، وبعد سيطرة التتار على بلاد الشام أرسل القائد المغولي كتبغا نوين رسالة إلى السلطان المظفر قطز يطالبه ببذل الطاعة والاستسلام، إلا أن قطز أعلن التحدي للإنذار المغولي فقبض على الرسل وقتلهم وعلق رؤوسهم على باب زويلة بالقاهرة.
وكان المماليك يدركون الخطر المغولي الذي يهددهم ففتحوا باب المفاوضات مع الصليبيين في عكا لعلهم يتمكنوا من تحييدهم من هذا الخطر العظيم؛ وخاصة أنهم سوف يعبرون بأراضيهم وهم ذاهبون لملاقاة التتار، فأراد قطز تحييد الصليبيين حتى لا يكون بين فكي رحى بين الصليبيين من جهة والتتار من جهة أخرى، ونجح السلطان قطز في عقد هدنة مع الصليبيين تضمن له عدم اعتدائهم عليه أثناء مواجهته للتتار.
وكان التتار قد زرعوا الرعب في قلوب المسلمين بسبب الأعمال العنيفة التي قاموا بها أثناء استيلائهم على المدن الإسلامية، فأصبح المسلمون في مصر في خوف شديد ووجل عظيم، وكانوا يتوقعون وصول التتار في أي وقت لأخذ بلادهم.
فبعد أن تحدى السلطان قطز الإنذار المغولي، خرج بجيشه من مصر في 15 رمضان 658هـ 27 يوليو 1260م، وعندما اقترب المماليك من عكا وهم متجهون إلى قتال التتار، بعث السلطان قطز رسالة إلى الصليبيين في عكا يحذرهم ويذكرهم بالهدنة وطلب منهم السماح له ولقواته المرور بأراضيهم دون أن يعترضوا طريقه، أو التسبب في إعاقة تحركه، فوافق الصليبيين على مطالب السلطان قطز، وتمكن المسلمون من المرور بسلام.
وكان الأثر السياسي لهذه الهدنة القصيرة الأجل بين قطز والصليبيين يتجلى في تمكن السلطان قطز من تحييد الصليبيين في حربه ضد المغول، كما أن السلطان تمكن من تجنيب المسلمين القتال على جبهتين في وقت واحد.
وسار السلطان قطز بالجيش الإسلامي حتى وصل غزة، وجمع كتبغا قائد التتار جيشه من الشام، وقصد محاربة المسلمين ومواجهتهم، فرحل السلطان قطز من غزة ووصل إلى مكان يسمى (عين جالوت) وفيه جموع التتار، فبدأت المعركة بين المسلمين والتتار يوم الجمعة الخامس والعشرين من شهر رمضان من سنة 658هـ-3 سبتمبر 1260م، وكان للسلطان قطز دوراً كبيراً في هذا الانتصار حيث تذكر المصادر التاريخية أن السلطان قطز ثبت في المعركة أحسن ثبات، ويُذكر أنه لما اشتد القتال، ووقعت الصدمة الأولى، تراجع عسكر السلطان في المعركة، فلما رأى المظفر قطز ذلك، رمى خوذته عن رأسه، وصاح وإسلاماه وحمل عليهم، فأعطاه الله النصر، فتمكن المسلمون من الانتصار على التتار، وقتل قائدهم كتبغا نوين، وأسر ابنه، وتعلق من سلم منهم برؤوس الجبال، واتبعوهم المسلمون فأفنوا أكثرهم، وهرب الباقون، فتبعهم الأمير ركن الدين بيبرس وقضى عليهم.
ومن ثم وصل السلطان سيف الدين قطز بعد هزيمة التتار إلى دمشق، ففرح الناس بهذا النصر الكبير الذي تحقق لهم في شهر رمضان المبارك.
وكانت نتيجة انتصار المماليك على التتار أنهم أوقفوا المد المغولي في البلاد الإسلامية و توحيد بلاد الشام مع مصر تحت حكمهم، وبهذا عادت الوحدة الإسلامية على ما كانت عليه من قبل، مما سهل ذلك على المماليك القضاء على الصليبيين وطردهم من بلاد الشام نهائياً سنة 690هـ1291م.