في الوقت الذي كنا نتطلع لشفائك فوجئنا بوفاتك.. كانت المفاجأة مذهلة، ألجم معها اللسان واضطرب الجنان، وذهلت مع الأذهان، وثلث قوى التفكير، وبهتت العقول. الحقيقة أن غازي انتقل إلى رحمة جاءت صاعقة أجل انتقل غازي إلى رحمة الله وغفرانه، ونرجو له واسع الجنان وحسب علمنا لقد كان قريباً من ربه يخافه ويرجوه، وطاعة الله - سبحانه وتعالى - دائماً أمام عينيه. كان مديماً على قراءة كتب الدين، وبالذات علوم القرآن، والفقه وأصوله، وإذا ناقش في الدين عرفت مدى عمقه في الدين، وحرصه على الاستزادة ولعلي أقول سراً هنا، لقد بدأ منذ سنوات في تفسير القرآن الكريم، بعد دراسة وافية ومتأنية لتفاسير القرآن وقال لي: إنه وجد أفضلها تفسير الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي: (تيسير الكريم المنان في تفسير كلام المنان).
إن فقد الدكتور غازي ليس سهلاً على أهله ومحبيه ووطنه، فقد كان ملء السمع والبصر، وكان حاضراً في كل مجال خير، لم يعرف عنه إلا الإخلاص والمودة وحب الخير. كان يعطي بكرم، وبلا منة، وكثير من أعماله الخيرية (لا تدري شماله ما تعطيه يمينه) ونرجو من الله أن يقبل منه هذا وأمثاله، وأن يجزيه بما عمل خير الجزاء إنه جواد كريم.
عرفت غازي عن قرب، وتوغلت إلى عمق نفسه، فوجدت ضياءً يشع من روحه، لقد حباه الله بصفات حميدة قلّ أن تجتمع في شخص واحد كان- رحمه الله- ينسى نفسه أمام مصلحة الآخرين.
لم أتصور منصباً يمكن أن يتولاه غازي إلا نجح فيه وأبدع، وليس فقط في تسييره الأمور في الطريق الأمثل، ولكن في وضع أسس إدارية لا يجد من يأتي بعده أفضل من اتباعها لقد أتقن أصول الإدارة نظراً وعملاً كان ينطلق في عمله من نفس رضية، ونية صادقة. كان شجاعاً فيما يرى أنه حق، حتى على نفسه، وهذه غاية الشجاعة، تغلب شجاعة صاحب سيف في مبارزة، أو صاحب مدفع في ميدان.
ثقافته غير محدودة بحد، كان يقرأ كثيراً ألف كتباً كان قراؤه يلتهمونها، ويتشوقون إليها، وإلى أكثر منها لم يقف في نتاج فكره عند حقل واحد، كان كالنحلة التي تنتهل من زهرة إلى زهرة، ويمتاز عنها أنه ينقل قراءه معه بحماس منهم.
كان غازي - رحمه الله - شاعراً رقيقاً مبدعاً شعره بهيج مثله يكتب الشعر بيسر وسهولة وإبداع كأنه يتكلم يقول الأبيات المبدعة ارتجالاً عنده ذاكرة يضرب بها المثل، نلجأ إليه عندما نختلف على بيت أو على قائله فنجد أن عند جهينة الخبر اليقين. قول الشعر عنده أسهل من شرب الماء لو شاء لما تكلم إلا شعراً. كان - رحمه الله - دقيقاً فيما يقول وفيما يكتب، لماح يرى داخل الأمور بسهولة ويراها من يكتفي بالنظر إلى خارجها يفاجىء مستمعه بآراء صائبة لم تخطر على بال محدثه، أو حتى يناقشه.
أيها الصديق غازي
إن حيز المقال ضيق، ولا يوفيك حقك، بحال من الأحوال، أي مقال يكتب، وحقك أن يكتب عنك رسائل جامعية، فيها تحليل وعمق.
إنك أثريت رفوف المكتبة السعودية بإنتاجك الثر الجيد المضيء كلما نظرت إلى كتبك عندي وقد أخذت أكثر من رفين في مكتبتي شعرت بالفخر وأنني مواطن لك، وأنت بهذا التميز، وقدوة مشعة لمن اهتدى إلى أن يتخذك قدوة، يخدم فكر مجتمعه وثقافته.
إن وقتك كان وفقاً على وطنك، وخدمة مليكك بحماس وهمة قعساء، كنت تتمتع بالعمل وهذا يساعدك على الإنتاج المجزي.
صديقي الراحل
سوف تترك فراغاً واسعاً بيننا، ولكنا لن ننساك إذ كل شيء حولنا عنك جميل، ويذكرنا بأفعالك الجميلة، سوف نذكر ابتسامتك، وسوف نذكر نقاشك وقد غشيته بروح مرحة، سوف نذكرك كلما رأينا إجادة في كتاب، أو في صحيفة تقترب روحها من روحك البهجة.
عزاؤنا لوالد الجميع خادم الحرمين الشريفين، وسمو ولي عهده وسمو النائب الثاني، ولأسرتك الكريمة ولأصدقائك وأحبائك.
{إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ}.