صباح مؤلم، استيقظت فيه على خبر فراقه دون رجعة، حين طلت وفاته، وحانت منيته، وكأن شيئاً لم يكن؛ لأرسم مع الخبر سماء بلا شمس، وشمساً بلا نور. بعد أن عجزت أمام لغة الموت أشعاري، وصمتت قصائدي، وغابت حروفي بهمساتها الدافئة، وعبارتها الوجدانية.
|
منذ أن قرأت قصيدته الشعرية من داخل أحد المستشفيات، وهو يعالج جراحه الأليمة، ويرثي فيها حالته المرضية، وحال ابنته «هديل» بعد فراقه. وأنا أحاول فك أسرار هذين البيتين:
|
هديل بنتي مثل نور الضحى |
أسمع فيها هدهدات العويل |
تقول يا بابا تريث فلا |
أقول إلا سامحيني... هديل |
فقرأت عنوان الوداع، ونشيد الرحيل في هذه الأبيات؛ لتدور عجلة الزمان، وترحل على أثرها الأيام، سريعة ومفاجأة في رحيل جسده، مودعة أجمل ما فيها من خير بلا رفيق، وترميه في خريف الموت. بعد أن رقصت الأفراح في دمه، وعصفت الأتراح في صدره، كما يحدث هو عن نفسه.
|
تعددت مواهب «غازي»، وعطاءاته.. فهو المثقف، والمثير للجدل في الحياة الإدارية والاجتماعية والسياسية. وهو «الاستثناء» من أي ذاكرة، وهو الممتد زماناً ومكاناً - منذ - توليه حقائب وزارية متعددة، إضافة إلى عمله كسفير لأكثر من خمس عشرة سنة.
|
«غازي» الشاعر المبدع، الذي قد لا يتكرر.. هو نتاج طموح متوثب، وقلق متأرق، وحنين خائف؛ لأنه رائد، والرائد يصدق أهله. فانفتاحه وتفكيره وذكاءه، تضيء كل زاوية من زوايا نشاطاته - العلمية والعملية-، وتشعل ساحة واسعة وكبيرة للنقاش.
|
رحل بصمت، وهو ساجد في محراب العيون، بعد أن أثار الإعجاب والحيرة. وتلك هي سنة الحياة، وإن كابر العقل، ورفض تمرير الحقيقة. إنه القدر المحتوم، ونهاية العمر المكتوب، فكلنا على الدرب سائرون. أليس هو القائل:
|
بعضُ الدروب إلى الأوطان راجعةٌ |
وبعضُها في فضاء الله يَنْسَابُ |
ويبقى للموت برائحة ترابه حضوره المدهش، وهو يغادر نحو مراسم الدفن المهيب بموكب جنائزي، مرافق له نحو مثواه؛ لتطوى صفحته، بعد أن استعصى على البيان والتأبين. ولا نملك إلا الدعاء لمن فارقناه، فالدعاء بلسم الجراح، بأن: «يسبغ الله عليه الرحمة والغفران، وعلى أهله وذويه الصبر والسلوان».
|
|