Al Jazirah NewsPaper Tuesday  17/08/2010 G Issue 13837
الثلاثاء 07 رمضان 1431   العدد  13837
 
كرم الأيام.. وغازي القصيبي
د. عبدالواحد الحميد

 

يوم رحيل غازي القصيبي لم يكن مثل باقي الأيام في رحاب وزارة العمل، فعلى الرغم من أننا كنا نتابع حالته الصحية يوماً بيوم فإن الأيام القليلة التي سبقت رحيله كانت مريرة ومؤلمة لنا نحن المتابعين لتطورات مرضه.. كان مرضه في الأيام الأخيرة يزداد شراسة لكننا كنا نستمد الأمل والتفاؤل من إيمانه ومن صبره، وكان مؤمناً وصبوراً كالجبال.. كنا نريد أن نصدق أن مرضه شدة وتزول.. هكذا كنا نعيش يوماً بيوم.. تأتينا الأخبار جيدة في يوم ثم تأتي سيئة في اليوم التالي.

غازي القصيبي كان رئيسنا في العمل، لكن العلاقة معه لم تكن علاقة رئيس ومرؤوسين، كان الجانب الإنساني في هذه العلاقة طاغي الوضوح.. وعندما غادر مكتبه لآخر مرة كانت أبصار الجميع تودع أباً تتطلع إلى عودته في أقرب وقت.. لكن غيابه طال، ثم تبين أن المرض الذي ظن الأطباء في البداية أنه مجرد قرحة في المعدة هو في حقيقته أكثر من ذلك.. ولم يعد بعدها غازي القصيبي إلى مكتبه مرة أخرى، كان رحيله نهائياً بلا عودة.

يوم الرابع من رمضان ساءت حالته كثيراً، وصباح اليوم التالي أسلم الروح وانتقل إلى رحمة ربه، جاءني هاتف من الزملاء المرافقين له فكان الخبر مزلزلاً رغم أننا كنا نعرف حالته الصحية جيداً، في تلك اللحظة بدا لي كما لو أنني أعرف الآن فقط بمرضه وأن الأيام الغادرة قد خطفته منا على حين غرة!

وحين أهالوا التراب عليه وهو في القبر كانت كل أحزان الدنيا تتجمع في صدورنا وتنفجر دموعاً حارقة، إذن فقد مات غازي القصيبي، غازي العملاق الذي لم تهتز صورته الكارزمية رغم التعامل اليومي معه في عمل مضن لا ينتهي أبداً، كنا نتعامل في قضايا شغلنا اليومي، وكان في عز هذا العمل المضني يبعث لك بكتاب جديد أو رواية أعجبته أو ديوان شعر، كنت تجلس أمامه تستمع طويلاً إلى ملاحظاته وأسئلته وكان يصغي إليك ثم يتحدث مرة أخرى في شؤون العمل ثم بغتة تكتشف أن الحديث قد تحول إلى قضايا الفكر والأدب والهم العام.

كل الناس يعرفون غازي القصيبي الأديب والشاعر والروائي والمفكر والإداري والشخصية العامة، لكن قليلين هم أولئك الذين يعرفون غازي الإنسان المرهف والشفاف مثل طفل وديع.

أحدث نفسي دائماً كم هي كريمة الأيام حين أتاحت لي أن أعمل مع هذا العملاق.. فأنا من جيل تفتحت عيناه على قضايا المجتمع في وقتٍ كان نجم غازي القصيبي يبزغ ساطعاً في دنيا الإدارة والثقافة.. فكان غازي ملهماً ونموذجاً يخطف أبصار الشباب.. ثم دارت الأيام ومضت مسرعة الخطى لأجدني بعد ثلاثة عقود أعمل معه جنباً إلى جنب، وأخرج بحصيلة لا تنتهي من الذكريات والمواقف.

إنني أكتب وأنا مفطور القلب أتخبط في غبش أحزاني الثقيلة ولن تسعفني اللحظة أن أتحدث بأي قدر من التفاصيل عن غازي القصيبي.. هذا المحيط العريض الزاخر اللامتناهي! لكن أي حديث عن غازي القصيبي لابد أن يبدأ وأن ينتهي بإنسانية هذا الرجل الجميل.. أجل كم أنت جميل يا غازي القصيبي الإنسان.. يعرفك اليتامى وتعرفك الأرامل والجمعيات الخيرية ويعرفك المحتاجون هنا ومن خارج البلد.

القصيبي هو الإنسان الاستثناء، كما قالت صحيفة الجزيرة.. ولابد أن قادم الأيام سيكشف جوانب كثيرة من استثنائية غازي القصيبي، ربما في قت آخر نكون قد تخففنا من أحزاننا ومن لوعة الفراق.

كم نفتقدك الآن يا غازي القصيبي، نحن أحبابك الذين ما تركتهم يوماً نناديك بكل مشاعر اليتم، فليرحمك الله.. وإلى جنات النعيم.



 


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد