في كل مرة يداهمنا القدر بفقد رجل من الرجالات الذين نعتز بهم على مدى التاريخ، الحاضر والمستقبل. إذ بغفلة منا فقدنا الشاعر والروائي والكاتب والسفير والوزير غازي عبدالرحمن القصيبي.
لقد واجه الرجل قدره بشجاعة نادرة، لأنه يمتلك في صدره حصانة من الإيمان، تجعله يدرك أن الموت حال الجميع، وأن الحياة الدنيا فانية وأن الآخرة لأبقى.
من الصعب الحديث عن الرجل الآن أمام هذا الفقد الذي آلم الجميع على ما عرفنا فيه من خصال طيبة ورفعة شأن وقدرة على مواجهة الصعاب.
عشت إلى جانب القصيبي السنوات العشر الذي قضاها سفيراً للمملكة في بريطانيا، فكان من أروع السفراء العرب نشاطاً، إذ حرك في المدينة الكبيرة لندن نهر الثقافة العربية الراكد، بنشاطات قل نظيرها، وحوَّل المركز الإعلامي السعودي في لندن من مجرد مكتب للدعاية إلى مركز للثقافة والأدب والشعر والفن، فأقيمت فيه الأمسيات الشعرية لشعراء كبار استحضرهم من بلدانهم ومحاضرات لأساتذة وأكاديميين إلى جانب معارض فنية تشكيلية وتواقيع كتب.. حتى قال عنه أحد الصحافيين إنه كان لا ينام. وكان يقارع الصهاينة الحجة بالحجة، حتى تفوق على أكاذيبهم فضجوا به وكتبوا رسائل الاحتجاج إلى وزارة الخارجية البريطانية، بأن السفير الشاعر يخرج عن الأعراف الدبلوماسية بالإساءة إلى بلد هو عضو في هيئة الأمم أي إسرائيل.
لم يخف منهم، وظل شجاعاً في مقارعتهم دون توقف، أما عمله كوزير، فالمملكة كلها شاهدة على نشاطه وتألقه كوزير للمياه أولاً ثم وزيراً للعمل.
سننتظر طويلاً جداً قبل أن يقدم لنا الله رجلاً بهذا المستوى -رحمه الله-.