غازي.. كنت قد علّمتني فنون الاشتعال، ونظمت في الزهو والخيلاء، وأهديتني ساعة وقنينة عطر وخطاب شكر وكلاماً جميلاً جميلاً، وضعتها جميعاً في الركن المقابل لسرير نومي، لهذا سأرتب فيك المراثي تلو المراثي، وسأشذب فيك لغة الكلام، وسأرثيك بجنون الجنون كالرصاص، سأطلق عصافير حروفي إلى روحك الرحبة الممتدة من الماء إلى الماء، سأجيئك يا أبا سهيل لأبعثر على مسامعك الكلام المباح، وسأسبح في ذكراك المدهشة، وسأطل من نوافذك المضاءة حين يعبر الليل على جسدك المسجى، القرنفل يا غازي كان قد نبت على فمك المعطاء، وتوقد النرجس على جسدك ريحاً طيبة يمنحنا الارتقاء، ويتوق الياسمين إلى ملامسة يديك حين يجيء المساء، أكتبك يا غازي قصيدة عظمى وشقائق نعمان، وأرسمك لوحة قمح، عنب، نخل، سدر، تين، فسيفساء، مطر، حدائق، عطر، صوت انتشاء، تتكون بين يدي قصائدك معجونة هي من فضة وتبر نقاء، أرفع نحوك تفاصيل مرثيتي مقاطع حداء حزين، أتذكرك، موقداً أنا قناديل حزني، أحدق فيك طويلاً، وأقرع عليك طبول الدموع، متشحاً أنا بلباس الأسى والانكسار، متذكّراً كل دروبك الطويلة والشجيرات وتضاريس الأثل والرمل، متذكّراً قيظك، شتاءك، عشبة النشوان فوق هامتك، قصائدك فاكهة تفاح، تورق أنت يا غازي مثل شهيق عشق، خطواتك كانت واثبة مستدامة خضراء، لك يا غازي تتزين عناقيد حروفي وينتشي معها الكلام، بل الانتشاء يصبح غير الانتشاء، يا غازي أحمل معي صورتك في ضياء القرى، وضفاف البحار، وفي مدارات الفضاء، أحملك دوماً معي من أول الماء إلى آخر الماء، حزني فيك مثل قنديل مكسور أو يتيم، الأرض بعدك يا غازي لم تعد عشبة ندية ولا أورقت الأشجار، ولم يعد لنا بعدك سمك قصائد ولا فاكهة حرف ولا قمح قصة ولا خبز رواية، في غيابك يا غازي تندلق الموسيقى لتعزف لحناً حزيناً، لحن الوداع الأبدي، ولحن الانكسار، لم يعد الشعر بعدك مليئاً بالبحر وبالطيور وبالعصافير الملونة وبالمعجزات والمنجزات، لك تراتيل الرحمة وأدعية الغفران وأنت تودعنا بهدوء بلا صراخ ولا جعجعة ولا شعارات جوفاء، مثل صخرة واقفة وجبل أشم كنت، تحديت يا غازي الهجير الثقيل والرياح العاتية والظلام المخيف والأصوات المزعجة والخفافيش والدروب المعتمة الطويلة، لكنك اتزنت ومشيت لتصنع لنا دالية عنب وأفياء مهذبة ونبتة ريحان، سأبقى أذكرك يا غازي ذكرى تتلو ذكرى، لأن ذكراك المعطرة تمنحني الرخاء والهناء من الشتاء إلى الشتاء.
ramadanalanezi@hotmail.com