فجعت الأمة العربية والإسلامية يوم الأحد الخامس من رمضان 1431هـ بوفاة إحدى الشخصيات العربية والعالمية وهو الدبلوماسي المخضرم الدكتور غازي القصيبي (وهو ابن الشيخ عبدالرحمن القصيبي أحد أبرز رجالات الملك المؤسس رحمه الله) والذي قضى جل حياته في خدمة بلاده ووطنه ومليكه وأمته. هو الأديب والدبلوماسي الدكتور غازي بن عبدالرحمن بن حسن بن عبدالله القصيبي، ولد بمحلة النعاثل، بمدينة الهفوف 1359هـ انتقل من الأحساء إلى البحرين، وكان عمره أربع سنوات وذلك لوجود أغلب أسرته وأبناء عمومته هناك، فتولى تربيته والده، فخصص له معلماً للقرآن الكريم، فختمه في سن مبكرة ثم درس الابتدائية والمتوسطة، والثانوية في البحرين، وبعد ذلك رأى في نفسه حبه للعلم والتعلم، فطلب من والده أن يأذن له بالسفر إلى خارج المملكة ليكمل دراسته الجامعية فأذن له.
سافر إلى القاهرة شاخصاً ببصره إلى معالمها العلمية الشامخة راغباً في دخول معترك الحياة الدراسية الأكاديمية وبالذات الحقوق التي درسها وحصل على ليسانس فيها في أربع سنوات (1377-1381هـ)، ولكن طموحه كان فوق الليسانس فشد الرحال وحزم ما لديه من أمتعة ويمم شطر الولايات المتحدة الأمريكية، ليكمل دراسته في القانون، وينال درجة جامعية أخرى وفعلاً حصل على الماجستير في العلاقات الدولية من جامعة كاليفورنيا عام 1384هـ، عاد إلى المملكة العربية السعودية، لا ليستريح بل ليسهم في نهضة بلده، ويعلم أبناءها، عيّن محاضراً في كلية التجارة بجامعة الملك سعود بالرياض، ولكنه عاد إلى بريطانيا ليكمل تعليمه فحصل على الدكتوراه منها عام 1390هـ، وهنا لا بد من وقفة مع ثقافة الوزير الدبلوماسي السعودي هذا.
أولاً: تثقف الثقافة التقليدية، وهذه ضرورية كانت ومازالت في ثقافة الطالب السعودي الذي ينتمي إلى مجتمع عربي مسلم.
ثانياً: درس بالطرق التقليدية كذلك، وحسبك أن تراجع دراسته للقرآن الكريم.
ثالثاً: تعلم في البحرين التعليم الأساس الابتدائية والمتوسطة والثانوية.
رابعاً: أخذ ثقافته العالمية من أرقى الدول، ولعله راوح بين ثقافة أمريكية وأخرى أوروبية وهو بالإضافة إلى الثقافة الأكاديمية تعرف على أحوال المجتمع في أوروبا (بريطانيا) وأمريكا، وهو حين خلط كل هذه الثقافات ومازج بينها بمهارة خرج موسوعي الثقافة مستنير العقل.
وبعدها عاد إلى وطنه ليخدم بلده، ويساهم في دفع عجلة التطور التي كانت تشهدها المملكة في تلك الفترة، عيّن عميداً لكلية التجارة ورئيس قسم العلوم السياسية في جامعة الملك سعود 1391هـ -1393هـ.
وأثناء عمله بالجامعة أصبح مستشاراً قانونياً للجنة السلام السعودية المصرية المشتركة في اليمن 1385هـ - 1386هـ ومستشاراً غير متفرغ في وزارة المالية والاقتصاد الوطني ومعهد الإدارة بالرياض 1391هـ - 1394هـ، وبعد ذلك عيّن مديراً عاماً لسكة الحديد بالدمام في عام 1394هـ.
مناصبه الوزارية:
يعد الدكتور غازي من الشخصيات البارزة في المملكة والتي أثبتت وجودها في الساحة المحلية، والعربية، والدولية، وذلك لما يتمتع به من ذكاء، وعلم واسع، وثقافة عالية، في شتى المجالات السياسية الاقتصادية والإدارية.
ولمكانته العالمية، عيّن وزيراً للصناعة والكهرباء في عام 1395هـ وبعدها عين وزيراً للصحة في عام 1402هـ، وكان أثناء توليه هذه المناصب الوزارية محل إعجاب وتقدير من قبل حكومتنا الرشيدة، وأيضاً من قبل المواطنين لما يتمتع به من إخلاص وتفانٍ في خدمة بلده ومواطنيه، وعيّن سفيراً للمملكة العربية السعودية في دولة البحرين الشقيقة 1404هـ وقد أمضى في البحرين تسع سنوات.
وأخيراً وفي عام 1412هـ عين سفيراً للمملكة في المملكة المتحدة وآيرلندا واستطاع خلال توليه هذه المناصب القيادية، وبحنكته السياسية أن يوطد ويقوي العلاقات بين هذه البلدان وبين المملكة بدبلوماسيته المعروفة، وأن يبني جسور المحبة والصداقة بين هذه البلدان والمملكة. له نشاط اجتماعي واسع من خلال جمعية رعاية الأطفال المعاقين، وجمعية البر بالرياض، وجمعية البر بالمنطقة الشرقية، وجمعية مكافحة التدخين ولجان المرضى وبيت القرآن بالبحرين. وفي عام 1425هـ عين معالي الدكتور غازي القصيبي وزيراً للعمل.
تكريم معاليه:
عندما نتحدث عن غازي القصيبي تتحدث عن شخصية استثنائية لذلك أصدرت صحيفة الجزيرة السعودية الكتاب الضخم (الاستثناء: غازي القصيبي) وهو كتاب يحوي الكثير من المقالات قيلت في الدكتور غازي من كبار الكتاب والمفكرين والمثقفين من المملكة والعالم العربي.
وكذلك وفي 11-4 -1430 هـ ، 7-4- 2009م منح الشاعر والروائي والمثقف الدكتور غازي القصيبي ميدالية اليونسكو في مقر المنظمة الرئيس في باريس في حشد هائل من الفرنسيين والعرب يقدر عدد الحضور بـ 1000 من الحضور المهتمين بالثقافة والأدب.
يعتبر الدكتور غازي مدرسة في حد ذاته حيث جمع فن الإدارة وروح الشعر، والقدرة على الكتابة، في جميع المجالات فهو رجل مبدع، بكل ما تحمله الكلمة من معنى، الأمر الذي مكّنه من ميدان السبق في الساحة الأدبية، وذلك بموهبته الشعرية وإبداعه الأدبي المنوع، فهو علم في معظم الفنون الأدبية وحسبك أن تقرأ إنتاجه الأدبي النثر السهل الممتنع الذي يعز نظيره ويندر مثيله في هذا العصر.
كتب في الكثير من الصحف المحلية والعالمية له مقابلات مع الكثير من الشخصيات البارزة في العالم، وهو من أبرز شعراء المملكة أصحاب الصدق الشعوري والحس المرهف، رغم مسؤولياته الجسيمة، وقد رشح مؤخراً لتولي منصب رئيس منظمة اليونسكو العالمية وهذا منصب رفيع وهو يستحق هذا الترشيح لمكانته العالمية. له عدة مؤلفات شعرية وأدبيه منها:
1- (عن هذا وذاك)، (سيرة شعرية)، (قصائد أعجبتني) (التنمية وجهاً لوجه)، (في رأيي المتواضع) (المزيد من رأيي المتواضع)،(العودة سائحاً إلى كاليفورنيا)، (حتى لا تكون فتنه)، (التنمية الأسئلة الكبرى)، (بحث)، (شقة الحرية)، (أزمة الخليج محاولة للفهم)، (العصفورية)، (الغزو الثقافي ومقالات أخرى)، حياة في الإدارة (سيرة)، (الحمى) ديوان شعر، (مائة ورقة ورد) ديوان شعر، (مائة ورقة ياسمين)، (من هم الشعراء الذين يتبعهم الغاوون؟)، (الأسطورة)، (صوت من الخليج)، (سحيم) ديوان شعر، (وردة على ضفائر سناء)، (عقد من الحجارة الأسطورة)، قراءة في وجه لندن (شعر)، الإلمام بغزل الفقهاء الأعلام (مختارات).
وهذه المجموعة الضخمة من المؤلفات تدل على أنه وهب نفسه للثقافة ولم يضع شيئاً من ساعات يومه في غير فائدة رغم أنه شغل مناصب رفيعة تتطلب جهداً جهيداً.
وأخيراً فهذا غيض من فيض، وورقة من أسفار القصيبي، ووردة من حدائق القصيبي لأن القصيبي يحتاج إلى من يتخصص فيه في أدبه، وشعره، وفكره، وعلومه الإدارية.
رحم الله الفقيد وعزائي لأبنائه وأسرة القصيبي الكريمة، إن فكر الفقيد وعطائه لوطنه وأمته سيظل نبراساً تتدارسه الأجيال فهو بحق مدرسة علم وفكر وعمل.
الأحساء
M_almubarak 12 @hotmail.co..