Al Jazirah NewsPaper Tuesday  17/08/2010 G Issue 13837
الثلاثاء 07 رمضان 1431   العدد  13837
 
هل تحولنا إلى انفصاليين حقاً؟
روبرت هاوس؛ روتي تايتل (*)

 

إن الحكم الذي أصدرته محكمة العدل الدولية مؤخراً بشأن إعلان كوسوفو الاستقلال من جانب واحد يوصف الآن على نطاق واسع باعتباره ضوءاً أخضر للحركات الانفصالية للمضي قدماً نحو إقامة الدولة. وطبقاً لتعبير رئيس كوسوفو فاتمير سيديو فإن القرار «يزيل أخيراً كل الشكوك التي ربما كانت السبب وراء تردد الدول التي لم تعترف بعد بجمهورية كوسوفو».

بيد أن هذه القراءة تستند إلى الاستغراق في التمني إلى حد كبير من جانب هؤلاء الذين يؤيدون الانفصال. ذلك أن الرأي الاستشاري غير الملزم الذي قدمته المحكمة كان رداً على السؤال الضيق الذي طرحته الجمعية العامة للأمم المتحدة: ما إذا كان إعلان الاستقلال شرعياً بموجب القانون الدولي. فقد أكد القضاة عن حق عدم وجود قاعدة دولية تمنع أي مجموعة من الإعلان عن نيتها أو رغبتها في تشكيل دولة، ولكنهم لم يتطرقوا إلى الشروط والمواصفات التي تنطبق على كل ما يتصل بإتمام هذه النية - أي فعل الانفصال ذاته.

والواقع أن المحكمة سعت إلى عدم ترك أي شكوك في هذا الشأن: «إن السؤال ضيق ومحدد.. وهو لا يتطرق إلى ما إذا كانت كوسوفو تلبي حقاً شروط ومواصفات إقامة الدولة». ولقد اختلف القضاة في الرأي مع المحكمة العليا في كندا التي أجابت حين طُلِب منها إصدار حكمها فيما يتصل بحق كوبيك في الانفصال بقرار أحدادي. ففي هذه الحالة ذهب السؤال إلى ما هو أبعد من إعلان الاستقلال؛ فقد سُئلت المحكمة ما إذا كانت كوبيك لديها الحق في الانفصال عن كندا وما هي الشروط التي تمنحها ذلك الحق، سواء بموجب الدستور الكندي أو القانون الدولي.

ولقد حكم القضاة الكنديون بأن القانون الدولي يكفل هذا الحق الأحادي (وليس دستور الدولة). وكما أشارت محكمة العدل الدولية فإن الحكم الذي أصدرته في الأسبوع الماضي يفند هذه النقطة الحاسمة: «إن المحكمة ليست ملزمة بموجب السؤال المطروح عليها باتخاذ موقف... فيما يتصل بما إذا كان القانون الدولي يكفل عموماً لأي كيان في إطار دولة ما حق الانفصال عن تلك الدولة».

فضلاً عن ذلك فقد أشارت المحكمة إلى وجهات النظر المختلفة جذرياً والتي عُرِضَت عليها بشأن ما إذا كان حق تقرير المصير في القانون الدولي يعني ضمناً الحق في الانفصال من جانب واحد. فمن خلال الإقرار بحجم وشدة الخلاف بين الدول فيما يتصل بحق الانفصال، أشارت المحكمة فيما يبدو إلى أن الموافقة اللازمة من جانب المجتمع الدولي غير متوفرة بالقدر الذي يسمح بترسيخ وجود أي حق من هذا القبيل.

قبل أن نتوصل إلى استنتاج مفاده أن كوسوفو أصبح لديها الآن «مسار واضح» للاستقلال، فمن الجدير بنا أن نتأمل في بعض التساؤلات المهمة التي لم تجب عليها المحكمة (والتي لم توجهها إليها الجمعية العامة). إن المحكمة لم تُسأل، وبالتالي لم تصدر حكمها فيما يتصل بما إذا كان القانون الدولي يقضي بأن يضمن الوضع النهائي لكوسوفو حماية الحقوق الجماعية والفردية للأقليات، سواء من صرب كوسوفو أو الغجر.

وعلى نحو مماثل، لم تُسأل المحكمة ولم تُصدر حكماً فيما يتصل بما إذا كانت صربيا، أو أي دولة أخرى في المجتمع الدولي، مطالبة بالاعتراف بكوسوفو كدولة مستقلة. ولم يتطرق قرار المحكمة إلى حدود كوسوفو المستقلة، أو ما إذا كان استخدام القوة وارداً من الناحية القانونية سوء لفرض الاستقلال أو لمقاومته.

إذا كان مصير كوسوفو - ومنطقة البلقان بأسرها - مرتبطاً بحكم القانون الدولي، فلابد لنا من الإجابة على هذه التساؤلات، لا أن نتجاهلها. وبموجب الإجراءات القائمة فإن طرح التساؤلات على محكمة العدل الدولية هو حق مقصور على الدول، سواء بوصفها أطرافاً متنازعة، أو بالعمل من خلال الأمم المتحدة كما كانت الحال مع كوسوفو. ولكن حقوق الأشخاص والشعوب، وليس فقط مصالح الدول، تصبح على المحك في مثل هذه الخلافات. ولتحقيق العدالة الدولية اليوم فإننا في احتياج إلى نوع جديد من المحاكم العالمية مفتوح أمام أصوات أخرى.

* أستاذان للقانون الدولي بجامعة نيويورك
خاص (الجزيرة)


 


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد