ما أن نتمثل حقيقة هذا الشهر الكريم ونتلمس أبعاده الروحية وما فيها من مفيد ونافع إلا ونصطدم ببعض المنغصات التي ترد بوصفها نتائج حتمية لبعض الممارسات الخاطئة، فأولها تغلب العادات على العبادات في هذا الركن الديني المهم، فيكون ظاهر هذه الممارسات الحرص الديني وأداء الواجب الإنساني، وباطنها التظاهر في فعل الخير والرياء في تقديمه.
أمر آخر يخرج رسالة الخير في رمضان الكريم عن طريقها الصحيح وهو الإسراف وإرهاق الجيب من أجل مواكبة عادات درج عليها الناس بلا مبرر أو هدف، ليصبح سيد الشهور - للأسف - موسماً من مواسم البيع والشراء والعرض والطلب وتنويع المشتريات بشكل لا أساس له ولا واقعية في تناوله.
فربما يتحول شهر رمضان إلى مجرد مناسبة لجمع أكبر كمية من المال في عرض فنون التسول، فيساعده في ذلك تسويغ فرضية قبول الأجر والثواب في رمضان ليكثر البذل والعطاء في هذا الشهر تحديداً، فيما يظل بقية الشهور صائماً عن تقديم أي عون أو مساعدة، لأن المسألة باتت مجرد شعار يرفع في هذه الأيام.
فالأولى في كل الشهور فعل الخير والتقرب إلى الله، وأن يكون شهر رمضان للدعاء وقراءة القرآن والحث على التزام الواجبات بهدوء ودون غلو أو مبالغة، لأن هذا الشهر هو كسائر الشهور، فمن الواجب ألا يتحول إلى مزاد تجاري أو موسم ترويج لمبيعات كل المواسم، فيشعر الإنسان أنه وضع كهدف مادي لا أساس له في المنهج القويم.
فالغريب في الأمر أننا أصبحنا في أتون مناسبات تجارية محددة تدور في فلك الاستهلاك، فما لم يطله منك التاجر في بضاعته يمكن للفضائيات أن تعمل مِدْيَتَها في ذوقك، فتصطادك الإعلانات التي تبث أكثر من أن تشاهد أي هدف معنوي لمسلسل أو تمثيلية أو مسابقة، فالإعلان للسلع الاستهلاكية يكون عادة هو الهدف لمثل هذه المناسبات التي لا تجد فيها ما يعيد لك التوازن الوجداني، بل تكتشف أنك وقعت في حبائل التسويق والتشويق والجذب التجاري دون أي مبرر، فيزداد ألمك حينما تشعر أن شهرك الكريم مستهدف مثلك.
فحينما يتحول شهر القرآن إلى مجرد موسم استهلاكي لا بد لك أن تستعد لما هو أقسى من ذلك حينما يوضع لكل مناسبة موسم، فكما أن للشتاء مواسمه فإن للصيف مواسمه أيضاً من الفاكهة والتمر والمشروبات حيث تتواءم فيه المعروضات مع طلبات الناس الاستهلاكية، لكنها باتت تقدم بصورة مبالغ فيها فيكون الإنفاق على السلع غير الضرورية في هذا الشهر معادلاً لأربعة أشهر أخرى.
المؤذي أيضاً أنه في هذه المناسبة ولكثرة ما يذاع ويبث من إعلانات تنشط بعض الممارسات التجارية الأخرى التي لا علاقة لها بشهر الصوم والعبادة فإلى جانب تجارة اللحوم والعصائر والمعجنات يزدهر سوق الأدوات الاستهلاكية، والمواد الكهربائية بل ترتفع مبيعات الثياب والأقمشة والحلي والأثاث وكأننا بتنا في هذا الشهر بلا أغطية أو أردية.
hrbda2000@hotmail.com