Al Jazirah NewsPaper Monday  16/08/2010 G Issue 13836
الأثنين 06 رمضان 1431   العدد  13836
 
إصلاح التعليم: خطط طموحة ونتائج متواضعة!
عبد الرحمن الحبيب

 

يوضح مؤشر تطور التعليم بين 125 بلداً أن البحرين حازت على ترتيب 45 تلتها الأردن بالمرتبة 49، فيما حصلت البلدان العربية الكبيرة على ترتيب متأخر: سوريا 73، مصر 79، الجزائر 81، السعودية 97، المغرب 102

(تقرير الرصد العالمي، اليونسكو 2007). هذا المؤشر يُعنى بمدى استثمار نظام التعليم مع مخرجاته المطلوبة. مثلاً خلال فترة 2000- 2004 كان معدل الأمية في عمان والسعودية والإمارات حوالي 24%، مقارنة مع 3% في الأرجنتين، 7% لسنغافورة و10% للأردن. فيما كانت نسبة الالتحاق للتعليم الجامعي لدول مجلس التعاون 23% مقارنة مع 57، 87، 89% لكندا وفنلندا وكوريا على التوالي (تقرير Ideation: كيف تنجح في إصلاح التعليم، 2008). لا ينبغي للمؤشرات التي تضع البلدان العربية في المراتب الأخيرة أن تحصرنا في جلد الذات بدلاً من النقاش المنهجي لتشخيص الخلل. وحسب تقرير مركز Ideation فإن بلدان مثل السعودية استوعبت هذا التحدي ووضعت عام 2004 إستراتيجية لإصلاح التعليم، وكذلك فعلت بقية دول مجلس التعاون الخليجي موجهين الأنظار على المستوى العربي نحو الأردن التي بدأت إصلاح تعليمها منذ أواخر الثمانينات وشهدت تقدماً جيداً، وعلى المستوى العالمي نحو دول نامية حققت نجاحات مذهلة مثل سنغافورة وكوريا.

إلا أنه رغم المبالغ الضخمة التي صرفت لإصلاح التعليم في دول الخليج فإن ذلك لم يخفف من أشد التحديات التي تواجه نظام التعليم، وهي التوافق مع بيئة الاقتصاد الاجتماعي والتطور التكنولوجي، حيث البطالة الآخذة في الازدياد تواجه المتخرجين، والتي تبلغ في السعودية حوالي 12% وفقاً للبيانات المتحفظة.

وتشير التقارير إلى أن أكبر العوامل المسببة للبطالة في السعودية هي ضعف مهارات وقدرات الخريجين، أي أن مخرجات التعليم لا تلبي الكفاءة المطلوبة لحاجة السوق. إضافة إلى أن هناك خريجين لتخصصات فائضة عن حاجة السوق كالتخصصات الدينية والعكس صحيح بالنسبة لتخصصات أخرى كالتكنولوجية والاقتصادية والعلمية. لذا يشكو القطاع الخاص في دول الخليج من عجز نظام التعليم الحالي للاستجابة للتغيرات الحاصلة في قطاع الأعمال والتجارة.

إصلاح البنية التحتية للتعليم يشمل المناهج والمدرسين والإدارة التعليمية وبيئة التعليم. وقد ناقشت المقالة السابقة الإشكالية الأساسية للمناهج بالسعودية وهي زيادة نسبة المواد الدينية واللغة العربية على حساب العلوم الطبيعية والرياضيات والعلوم الاجتماعية. أما الإشكالية الأساسية في التدريس فتكمن في استخدام النمط القديم وهو الحفظ الصم، دون تطبيق الطرق الحديثة التي تحفز التفكير المبدع والعمل الابتكاري.

يوضح تقرير Ideation أن ضعف كفاءة المدرسين يعود إلى عدة عوامل، منها الأجور المنخفضة والإدارة المدرسية غير الفعالة. إلا أن أعمق المشاكل تكمن في أن المهارة التعليمية للمدرسين خاضعة لبيئة أكاديمية متواضعة. وقد حذر تقرير لليونسكو عام 2006 من أن العجز في كفاءة المدرسين يهدد أهداف التعليم في كل البلدان العربية خاصة مصر والعراق والمغرب والسعودية.

وقد بينت التجارب الناجحة لدول مثل سنغافورة أن كفاءة المدرسين تكمن في تثمين قيمتهم ودعمهم بالتدريب المكثف والبيئة المحفزة وعدم تقديم أية تنازلات في هذا المجال.

بيئة التعليم الإيجابية ليست فقط غرفة الفصل إنما أيضا النشاطات اللاصفية كالرياضة ومجموعات العمل، بل ويتعدى المدرسة إلى المشاركة في البيئة العلمية والثقافية المحيطة كالمسابقات العلمية والثقافية والمسارح والمتاحف ومجموعات حماية البيئة..إلخ، وثمة أيضا مشاركة الوالدين في العملية التعليمية. كل ذلك يستلزم إدارة فعالة لتطبيق إستراتيجية إصلاح التعليم على أرض الواقع وليس على الورق.

ومما أوضحته وزارة التربية والتعليم في السعودية أن الدلائل تشير إلى أن الخلل يكمن في نوعية وطرق التعليم وتأثيرهما في نمط وسلوك طريقة التفكير، فنظام التعليم الحالي مع أدواته وطرقه لم يؤد المطلوب مما أصبح لزاما اتخاذ رؤية واضحة وخطة شاملة لتطوير نظام التعليم تفي بحاجات المجتمع وطموحاته (المؤتمر الدولي للتعليم، جنيف 2004). وقد أعلنت الوزارة حينها خطة إستراتيجية شاملة لعشر سنوات لتطوير أو إصلاح نظام التعليم، وأقر مجلس الوزراء عام 2007 مشروعاً لإصلاح التعليم بتكلفة 9 مليار ريال.

ما أعلن عنه من برنامج الخطة كان مجال ترحيب واسع، إلا أن إعلان الخطط الإصلاحية شيء وتطبيقها شيء آخر، فإذا سألت المتابعين أو الخبراء في هذا الشأن سيجيبونك إحدى إجابتين: لم نر شيئاً يذكر أو إن ما تم هو تطوير بسيط! بل إن مجلس الشورى سبق أكثر من مرة أن طالب الوزارة بعدة إيضاحات حول ذلك وكان رد الوزارة هي الحجة البيروقراطية المعتادة «تأخر المخصصات المالية».

وتقترح الدراسة التي قام بها مركز Ideation بعض التوصيات لهذه الإستراتيجية لإصلاح التعليم في السعودية. أولاً، استخدام نهج التحول بدلاً من الإصلاح الجزئي. فالتجارب السابقة تؤكد أن اتباع نهج شامل ينتج عنه مؤازرة من أصحاب المصلحة (Stakeholders) التي لا يمكن تحقيقها بالنهج التدريجي. وتستلزم التطورات التكنولوجية والاقتصادية تغيرات بنيوية في نظام التعليم. ومشابه لذلك ما طرحه د. أحمد العيسى من أهمية الالتزام بإصلاح وليس فقط «تطوير» التعليم لأن الثاني هو عمل تعديل جزئي روتيني على عكس الأول الشمولي.

ثانياً، تقسيم المشاريع الضخمة إلى مشاريع أصغر يسهل تطبيقها. ثالثاً، تحقيق التوافق على الخطة بين أصحاب القرار وأصحاب المصلحة بما يشمل الشفافية في محيط البيئة الاجتماعية والاقتصادية. فالإستراتيجية ينبغي أن تكون معلومة وواضحة.. وإصدار دليل إرشادي سيكون مساعداً لتوضيح خطة الإصلاح خلال عملية التنفيذ. رابعاً، المحاسبة والمتابعة المستمرة لتطبيق الإستراتيجية ونتائجها وفق معايير واضحة ومحددة. هذا يشمل تحسين المحاسبة المالية، والتقييم المتتابع للمدرسين والإدارة المدرسية ودورات التدريب، وضرورة وضع تقييم سليم من المدخلات والمخرجات.

وتخلص الدراسة إلى أنه لا بد من تحديد مراحل لإستراتيجية واضحة تمنح القطاع الخاص القدرة على تغطية نسبة أساسية من توظيف المتخرجين. هذا سيساعد على تشجيع الطلاب للتخصص في القطاعات النامية. ويرتبط دعم القطاع الخاص بتطوير مؤسسات المجتمع المدني الاجتماعية والاقتصادية. وأهم ما تركز عليه الدراسة هو أن التجارب تؤكد أن أساس نجاح برنامج إصلاح التعليم يقوم على دمج الأولويات الاجتماعية والاقتصادية، مع خطة عمل جيدة التنفيذ، وعلى قاعدة بنية تحتية سليمة.



alhebib@yahoo.com

 


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد