كانت قضية توحيد رؤية هلال رمضان، وتحديد بداية الأشهر القمرية، تثير جدلا واسعا بين كثير من العلماء الشرعيين والفلكيين؛ نتيجة الخلاف الحاصل بين الحسابات الفلكية، والرؤية بالعين المجردة. هذا الأمر جعل الإمام محمد الغزالي - رحمه الله -، يستغرب: «أليس عجيبا أن تكلف أمة ببناء إيمانها على دراسة الكون، ومع ذلك تحيا محجوبة عن الكون، ونواميسه، وأسراره. ولا أزال أنظر بضيق، وأسف لقوم يروون: نحن أمة أمية، ليفهموا منه: أن الأمية صفة ملازمة لنا، فهم يرفضون الحساب الفلكي، والقواعد الرياضية التي قام عليها إرسال المركبات الفضائية، والنزول على القمر، ثم ينظرون إليك بتبجح، قائلين: أتنكر السُّنة؟!». أرأيتم موضع استغراب الإمام - رحمه الله -، مع أن الاستعانة بالوسائل الحديثة، ومنها: الحساب الفلكي الدقيق الموثوق به، - في حال النفي دون الإثبات -، هي أصل في تحديد الرؤية الشرعية، وتحديد أوائل الأشهر القمرية لاسيما وأن حساب حركة القمر - في أيامنا هذه - ممكنة، وبدقة عالية جدا. ونستطيع تحديد موقع الهلال بشكل دقيق، إذا طالت فترة مكوثه في الأفق قبل أن يغرب، ورصده بكل يسر سهولة.
وحيث يتجدد في السنوات الماضية، قضية الخلاف حول رؤية هلال رمضان. فقد أوضح الدكتور مسلم شلتوت - أستاذ العلوم الفلكية والفضائية - بمعهد البحوث الفلكية في القاهرة: أن سبب اختلاف رؤية الهلال، يرجع إلى اعتمادها على أربعة اتجاهات مختلفة، مثلا: يعتمد الاتجاه الأول، على الأخذ بالحساب الفلكي - فقط -؛ لأنه مبني على علوم حسابية، وفلكية، وحقائق علمية. ويعتمد الاتجاه الثاني، على إعطاء فترة زمنية، ما بين «15» إلى «20» دقيقة بعد غروب الشمس، تسمى ب»مكث القمر»، حتى يمكن رؤية هلال شهر رمضان؛ لأن إضاءته تكون ضعيفة، مقارنة بإضاءة الشمس وشفق الغروب. أما الاتجاه الثالث، فيعتمد على الحساب الفلكي، كمدخل للرؤية الشرعية. بينما الاتجاه الرابع، يعتمد على الرؤية بالعين المجردة.
على أي حال، فإن الحدث الذي لا ينبغي تجاوزه، في إثبات رؤية هلال رمضان هذا العام، والعام الماضي، هو: وجود عدد من اللجان العلمية، والتي وصل عددها إلى تسع لجان، والمكونة من ممثلين عن الجهات الحكومية، من فلكيين وشرعيين؛ لرصد الهلال بطريقة علمية. إضافة إلى دعوة المحكمة العليا من لديه القدرة على الترائي، بالمشاركة في عمل لجان الرؤية. وتفعيل قرار هيئة كبار العلماء، الصادر عام «1403هـ»، بالاستعانة بالتلسكوبات، والمناظير الفلكية، وأجهزة التقريب والتصوير في عملية الرصد؛ مما يؤكد أننا تجاوزنا هذه المرحلة - بإذن الله -، والتي كانت تتكرر كل عام، وتشغل بال الكثيرين. إذ لا يمكن أن نكون عاجزين، عن الاتفاق على موعد يوحد صيامنا وفطرنا.
drsasq@gmail.com