Al Jazirah NewsPaper Saturday  14/08/2010 G Issue 13834
السبت 04 رمضان 1431   العدد  13834
 

مُكفِّرات الذنوب العشرة!
د. علي محمد الحماد

 

إلهِي لا تُعذّبني فإني

مُقِرٌّ بالذي قد كان مني

وما لي حيلة إلا رجائي

وعفوك إن عفوت وحسنَ ظني

فكم من زلة لي في البرايا

وانت على ذو ستر ومن

يظن الناس بي خيراً وإني

لشر الناس إن لم تعفُ عني!!

هكذا يجب على المسلم أن يكون هاضماً لجناب نفسه، منكسراً لربه، مشفقاً على حاله.. (فَلَا تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى)، (وكل ابن آدم خطاء)، قال تعالى في وصف عباده الوجلين الخائفين المشفقين على أنفسهم مع عملهم للطاعات: (وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ) أي: يخافون ألا يُقبل منهم!!

وبحكم أننا جميعاً أبناء لآدم: (والابن سر أبيه) (ومن شابه أباه فما ظلم) وقد وقع أبونا آدم عليه السلام في الخطيئة.. فنحن ولا بد واقعون!! فكيف نكفّر هذه الذنوب قبل أن يفاجئنا هادم اللذات؟

يقول شيخ الإسلام في (التحفة العراقية) وغيره من العلماء إن مكفرات الذنوب عشرة:

1 أن يستغفر فيغفر الله له، قال تعالى (وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللّهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللّهُ)، وبالمناسبة فالاستغفار بمعنى التغطية والستر.

فلماذا سمي الاستغفار استغفاراً؟ قالوا سمي بذلك تشبيهاً بالمغفر.. الذي هو الدرع الواقي عن العدو.. فهذا الاستغفار يقيك الذنوب ويغفرها ويسترها!!.. لكن لابد مع الاستغفار من تواطئ القلب مع اللسان.. لا أن نستغفر ونحن لاهون - ساهون - سارحون!! لذا كان السلف يستغفرون الله من استغفارهم!! لأنهم يخافون أنهم يستغفرون وهم لاهون!! حتى قال قائلهم:

أستغفر الله من أستغفر الله

من كلمة قلتها لم أدرِ معناها!!

2 أن يستغفر لك إخوانك قبل أو بعد مماتك.. قال تعالى: (رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلّاً لِّلَّذِينَ آمَنُوا).. لذا قال صلى الله عليه وسلم: (إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: ولد صالح يدعو له (اشترط كونه صالحاً)، او علم ينتفع به، أو صدقة جارية). قال العلماء: علم ينتفع به: أي نصيحة، أو أمر بالمعروف، أو نهي عن منكر، أو توزيع لمصحف، أو كتاب أو شريط فهو داخل فيه.. ليس معنى الحديث أن يكون عالما له دواوين ومؤلفات!!

3 أن يتوب فيتوب الله عليه.. قال تعالى: (وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ).. فانظر يا رعاك الله كيف وجه الله عباده للتوبة حتى المؤمنين منهم!! والإيمان شيء والإسلام شيء!! (قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا)!! قال صلى الله عليه وسلم: (إني لاستغفر الله وأتوب إليه في اليوم مائة مرة)! قال تعالى: (وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً ثُمَّ اهْتَدَى).

وللتوبة شروط خمسة لا تقبل إلا بها:

1 الإقلاع عن الذنب. 2 العزم على عدم العودة. 3 الندم على ما فات. 4 رد المظالم إلى أهلها. 5 أن يكون في زمن المُهلة، أي قبل دنو الأجل!! أما من يظهرون التوبة إذا تيقنوا الهلاك، وفُرش النطّع، وعلِّق حبل المشنقة!! فهو نسأل الله أن يعفو عنا وعنهم.. ومذهب أهل السنة: (أننا لا نشهد لأحد بجنة ولا نار..) وإلا فالله سبحانه يقول:(وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ)!!

4 أن يأتي بحسنات يذهبن السيئات.. فينبغي لكل مسلم يقع في الأخطاء مثلي أن يعوّض أخطاءه وزلاته بالأعمال الصالحة من أمر، ونهي وصدقة وصلة وكلمة طيبة، لقوله تعالى: (إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ)، وقوله صلى الله عليه وسلم: (وأتبع السيئة الحسنة تمحها)!!

فلا تحقرنّ من المعروف شيئاً كما أوصاك (نبيك) صلى الله عليه وسلم: ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق..

بعض الناس يتوهم أن الأعمال الخيرية وقف على المستقيم (أو المطوع) على لغة (أكلوني البراغيث)، وليس ذلك صحيحا، بل كل أمتنا فيها خير وكم رأينا من غيرهم أيادٍ بيضاء، وأكفًّا ندية، وسيرة محمدية..

5 أن يُبلى بمصائب في الدنيا.. مثل الأمراض والحوادث ووفاة العزيز و.. لكن لابد من الاحتساب.. قال تعالى: (لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ)! وقال صلى الله عليه وسلم: (أشدُّ النّاسِ بلاءً الأنبياء ثم الصالحون ثم الأمثل فالأمثل، يُبلى المرء على قدر دينه، فإن كان في دينه صلابة زيد في بلاءه). قال تعالى: (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ).. ومن البلوى الخسائر المالية، وانحطاط مؤشر الأسهم الأحمر!! كناية عن الخطر والدم!!

6 أن يبتلى بمصائب في الحياة البرزخية.. والحياة البرزخية هي من وفاة المرء إلى قيام الساعة ومن أمثلتها صور عذاب القبر وسؤال منكر ونكير وغيرها.

7 أن يشفع له (محمد) صلى الله عليه وسلم وشفاعته ثابتة في نصوص الشرع، كما في حديث (وسلْ تعطى، واشفع تُشفّع).

8 أن يُبلى بمصائب في عرصات القيامة وأهوالها كالمرور على الصراط، والعرض، والميزان، و.. فيكفر الله بها ذنوبه، ومن المستقر في الأذهان أن الحياة الأخروية لا نعرف كنهها وكيفيتها.. فهي فوق مستوى تفكيرنا.. والعلماء يقولون نصوص الوعد والوعيد تؤخذ على ظاهرها دون تأويل ولا تحريف.. فهي أقوم قيلا.. وأبلغ سبيلا.. فالأسماء متحدة، والحال مختلفة!!

9 أن يبقي له أعمالا صالحة بعد موته.. وهذه الأعمال ذَكَر أمثلتها النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث المشهور: (إذا مات ابن آدم انقطع.. إلى آخر). وقد جمع العلماء هذه الأعمال بعشرة أنواع مطلعها:

إذا مات ابن آدم ليس يجري

عليه من فِعال غير عشري

علوم بثّها، ودعاء نجل

وغرس النحل، والصدقات تجري

وسأحتفظ ببقيتها، لمقال مستقل عنها بعنوان (الأعمال التي تنفع بعد الموت).

10 أن يرحمه أرحم الراحمين قال صلى الله عليه وسلم: (لن يدخل الجنة أحد بعمله، قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟! قال: ولا أنا إلا أن يتغمدّني الله برحمته.. قال شيخ الإسلام: فمن لم تُدركه هذه العشرة فلا يلومنّ إلا نفسه!!! نسأل الله أن يكفّر سيئاتنا، ويغفر زلاتنا.. والسلام عليكم.

رياض الخبراء

Ali5001@hotmail.com

 


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد