أشرت في المقال السابق إلى ريادة جامعة الملك سعود وصناعة غزال (1)، لذا فإنَّ جامعة الملك سعود تواجه تحديات عديدة قد تكون الأصعب خلال مسيرتها، وهذه التحديات تتمثل في التوفيق بين مسؤولياتها الثلاث: التدريس، والبحث العلمي، وخدمة المجتمع. إذ كانت هذه المسؤوليات متوازنة خلال السنوات الماضية... لكن ما يحدث داخل جامعة الملك سعود غيَّر من أولوياتها لأنها قررت أن تقود الريادة الأكاديمية في المملكة، وتجاوزت الإطار المحلي لتصبح رائدة للجامعات الخليجية والعربية وفي محيط قطرها الشرق أواسطي، كونها تحصلت على تصنيف ويبوماتركس يوليو 2010م على (164) عالمياً، وتصنيف التايمز أكتوبر 2009م على (247) عالمياً، وتصنيف شنقهاي 2009م ضمن أفضل (500) جامعة عالمية. وهذا يجعلها أمام مسؤوليات وتحد جديد لأنها تخطت التصنيفات الانطباعية والتي تقوم على التقديرات والتكهنات والتوقعات إلى رقم عالمي تكرر خلال عدة سنوات... وهي الآن لا تستطيع التراجع كما لا تسمح لها الجهات العلمية بالمملكة والجهات الرسمية والأوساط الشعبية بالتراجع. ويزيد من الضغط عليها الآراء التي تأتيها من الدوائر شبه الرسمية بالخليج والوطن العربي رؤساء ومديري الجامعات في وطننا العربي كونها الجامعة الأبرز والأكثر جذباً للانتباه في الجامعات العربية. وهذا يضغط على إدارة الجامعة في تحقيق المزيد من النجاح والريادة في مجال تميز طلابها ونجاح مشاريعها البحثية مثل الكراسي البحثية التي تجاوزت (107) كرسي، ومشاريع الأوقاف التي تعد رافداً مالياً تضاف إلى ميزانية الدولة السنوية لتصب في تطوير الجامعة وتقديم خدمات عامة للمجتمع من خلال المستشفيات الجامعية، ويضاف إلى ذلك مشروع وادي الرياض العلمي، وهذا ليس مقتصراً على جامعة الملك سعود لوحدها بل يشمل الجامعات (الثماني) الكبار تلك الجامعات العريقة تاريخياً والتي تأسس بعضها في أواخر السبعينات الهجرية الخمسينات الميلادية.. فجامعة الملك فهد للبترول والمعادن ومنذ أن تأسست وهي تحظى برعاية الدولة بالدعم الإضافي، وتم إمدادها بالميزانيات اللامحدودة، وحظيت برعاية شركة أرامكو وبعض الشركات الكبرى تمول مشاريعها مالياً وتمدها بخبراتها المهنية وطاقاتها البشرية والفنية. وجامعة الملك سعود جاءت من المواقع التقليدية لتتقدم الصفوف وتعلن عن نفسها وتقود الجامعات السعودية، وتنفذ مشروعات أكاديمية تعليمية وبحثية وتتوسع في خدمة المجتمع لحل قضايا رئيسة مثل تحلية المياه والإنجازات الطبية واجتذاب رجال الأعمال ليكونوا شركاء ومساهمين في تطوير الجانب الخدمي.
ولكن حتى لا ينهار مشروع جامعة الملك سعود وتصاب الجامعة الأم بانتكاسة بعد النجاحات التي تحققت، فلا بد من تدخل جهات مثل التعليم العالي ووزارة المالية في التعجيل بتفعيل المرحلة الثانية التي بدأت بإنشاء جامعات المحافظات: شقراء، الخرج، المجمعة، بعد أن أكملت وزارة التعليم العالي إنشاء جامعات المناطق. كما أن منطقة الرياض التي تجاوز تعداد سكانها الأخير 1431هـ (6) ملايين نسمة بحاجة إلى إنشاء جامعة بمدينة الرياض تساند جامعة الملك سعود وجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية لاستيعاب الطلاب وإعطاء الجامعتين (سعود، والإمام) المساحة والوقت لإتمام مشاريعها العلمية والبحثية.. فمسارات التدريس والبحث وخدمة المجتمع تسير متوازية مع بعضها، وأي تقصير بأحد المسارات سيحدث خللاً في ريادة وتميز الجامعة.