لا يحتاج معالي الشيخ صالح بن عبدالعزيز آل الشيخ، وزير الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد، رئيس المجلس الأعلى للجمعيات الخيرية لتحفيظ القرآن، إلى تبرير إقدام الوزارة على تدقيق حسابات الجمعيات الخيرية لتحفيظ القرآن، ومكاتب الدعوة التعاونية، فالأمر لا يعدو أن يكون تطبيقا لنظام
قانوني ومالي يُفترض أن يكون مطبقا في جميع الهيئات، المؤسسات، والجمعيات الحكومية، أو شبه الحكومية، والمستقلة التي يُصرح لها بتلقي الأموال وصرفها على أطراف متفرقة، وهو أسلوب عالمي متبع في جميع الدول. بل إن الدول الغربية تُطبق مبدأ المحاسبة والتدقيق المالي، وكشف الثروة مع أصحاب المناصب الحساسة، والنافذين لضمان سلامة معاملاتهم المالية، وخلوها مما يتعارض مع الأنظمة والقوانين والإثراء غير المشروع، ولا يُعد ذلك تشكيكا في عرفهم، بل تطبيقا لمبدأ النزاهة الذي لا يستقيم دون تطبيق الأنظمة والقوانين.
وقد كان من نهج السلف الصالح التدقيق في المعاملات المالية المتعلقة بشؤون الدولة، ومصالح المسلمين، رغم بساطتها ووضوحها، وكان عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، أكثر الخلفاء الراشدين شدة وغلظة في التدقيق والمساءلة في المعاملات المالية، وهو أول من طبق نظام مقارنة الملاءة المالية للولاة قبل توليتهم، بما لديهم بعد العزل، وقد ناصف بعض ولاتِهِِ في أموالهم وأودعها بيت مال المسلمين، وكان، رضي الله عنه، ينتدب (المدققون) للتأكد من كل ماله علاقة ببيت المال، الصدقات، وملاءة الحاكم، ورغم تداخل عهدهم بعصر النبوة، إلا أن بعض معاملات الولاة، وجامعي الزكاة لم تخل من الأخطاء والتجاوزات، عفا الله عنهم جميعا، فكيف بعهدنا هذا!.
تدقيق حسابات الجمعيات الخيرية لتحفيظ القرآن، ومكاتب الدعوة التعاونية عن طريق المحاسب الداخلي، والخارجي المُستقل هو ضرورة ملحة تتوافق مع معايير الرقابة العالمية، وتهدف إلى حماية القائمين على تلك الجمعيات، وتوثيق المعاملات المالية بأسلوب محاسبي دقيق يضمن الانضباطية، النزاهة، والوصول إلى المعلومة الدقيقة وقت طلبها، ويحقق الشفافية المطلقة للمتبرعين والمستفيدين، والجهات الرقابية على حد سواء، ويقطع الطريق أمام المُشككين بأداء الجمعيات الخيرية لأهداف شيطانية. بعض الأخطاء المالية غير المقصودة ربما قضت على جمعيات منضبطة، وأدخلتها دائرة الاتهامات، وحرمت المجتمع وفقرائه من خدماتها الجليلة والشواهد كثيرة في هذا الجانب.
الشيخ صالح آل الشيخ أكد على أن «التبرع المالي المأمون والصدقة المأمونة مطلب الجميع»؛ وهو أمر لا يمكن تحقيقه إلا بالتحول نحو التبرعات الإلكترونية التي أثبتت أنها الطريقة الآمنة، والأسرع والأسهل في المملكة، ونسأل الله أن يثيب من سن سنة التبرع الإلكتروني في السوق السعودية خير الجزاء، فقد أوجد الطريقة المُثلى لإيصال التبرعات للجمعيات والمؤسسات الخيرية والدعوية. رسالة واحدة إلى رقم الصندوق الخيري لجمعيات تحفيظ القرآن الكريم (808008)، وإلى أرقام التبرعات الخاصة بالجمعيات الخيرية الأخرى لن تكلف مرسلها شيئا يُذكر، إلا أنها ستضمن له الأجر العظيم، والاستثمار الدائم والمضمون في الدنيا والآخرة، قال تعالى: ?مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ?.
العفو من شيم الكرام
لم يكن هناك أقسى وأعظم مما فعله أخوة «يوسف» عليه السلام، به. فقد تسببوا في نفيه، وتغريبه عقودا طويلة، تقلب فيها بين الرق، والسجن، ثم التمكين، وما ذاك إلا بأمر الله سبحانه وتعالى. وبعد كل تلك القسوة والمعاناة، قابل سيدنا يوسف عليه السلام اعتذار أخوته بالعفو والصفح وزاد بالدعاء لهم بالمغفرة؛ قال تعالى ?قَالَ لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ?. ما أحوجنا إلى الصفح والمغفرة والعفو عن الناس في هذا الشهر الفضيل، شهر العفو والمرحمة؛ وحاجة بعض السجناء التائبين النادمين، ممن لم تتلطخ أيديهم بالحق الخاص، إلى عفو ولي الأمر الذي لا ينقطع أبدا، أشد وأعظم؛ قال تعالى: ?الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ?. هناك من يترقب نهر الرحمة المتدفق، ويسأل عن المنقذ والمعين، بعد الله سبحانه وتعالى، ممن أوكل الله لهم قضاء حاجة عباده في الأرض، فنهر الرحمة الجاري لا توقفه نتوءات الخطيئة، وأخطاء الجهالة، ولا ينسى المرور في جداوله الصغيرة القاصية عن العين، فيغمرها بمائه النقي الطاهر؛ لم شمل الأسر المكلومة بأبنائها الموقوفين أمل الأم، الأب، الأخت، الزوجة، الأطفال، وأسر اُبتليت فصبرت، واحتسبت، وسلمت أمرها لله، (فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظًا وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ).
****
F.ALBUAINAIN@HOTMAIL.COM