Al Jazirah NewsPaper Saturday  14/08/2010 G Issue 13834
السبت 04 رمضان 1431   العدد  13834
 
صيف باكستان القائظ
شهيد جاويد بركي*

 

كان شهر يوليو- تموز واحداً من أقسى الشهور التي مرت على باكستان طيلة تاريخها. فقد اتُهِمَت مؤسسة الدولة بالازدواجية في التعامل مع الجهود الحربية الأميركية في أفغانستان، ومناصرة الجانبين - الولايات المتحدة وطالبان - في ذات الوقت. كما اندلع غضب شعبي عارم في باكستان إزاء الطريقة التي تعامل بها رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون مع هذه الشبهات، التي تم توجيه بعضها إلى الرئيس آصف علي زرداري، الذي قرر مواصلة زيارته الرسمية للندن على الرغم من اللغة القاسية التي استخدمها كاميرون.

ثم تفاقم الغضب الشعبي إزاء الاتهامات التي وجهتها أميركا وبريطانيا إلى هيئة الاستخبارات الباكستانية، في حين عرضت محطات التلفاز تغطية على مدار الساعة لما أحدثته الفيضانات في شمال غرب البلاد من الخراب والدمار والمعاناة، والتي تعد أسوأ فيضانات تشهدها البلاد منذ أكثر من ثمانين عاماً. ولقد بذلت المؤسسة العسكرية جهوداً كبيرة لمساعدة هؤلاء الذين تضرروا. وكان قائد المؤسسة العسكرية الجنرال أشفق برويز كياني، الذي تم تمديد فترة خدمته مؤخراً وعلى نحو غير معتاد لثلاثة أعوام إضافية، وحيداً بين كبار زعماء باكستان في زيارة المناطق المتضررة بالفيضانات وإبداء الانزعاج والتعاطف مع معاناة الناس هناك. ولم تكن هذه هي الأزمة الوحيدة التي بدت فيها قيادة المؤسسة العسكرية وكأنها تفعل ما يعتقد عامة الناس أنه الصواب.

ولقد أكدت نشرة ويكيليكس للتقارير الاستخباراتية الأميركية الأولية الواردة من أفغانستان هذه الشبهات التي كانت مثار جدال لفترة طويلة. فقد وصف عدد من التقارير الميدانية اتصالات بين الاستخبارات الباكستانية وطالبان، حتى في أثناء اشتراك هيئة الاستخبارات الباكستانية في مقاتلة بعض قوات طالبان في باكستان. وتضمنت التسجيلات روايات عن الغضب الذي شعر به الأميركيون إزاء تقاعس هيئة الاستخبارات الباكستانية عن مواجهة المتمردين المسلحين، وخاصة أولئك الذين يهاجمون قوات الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلنطي بالقرب من الحدود الباكستانية. ويبدو أن هيئة الاستخبارات الباكستانية أبقت على خطوط الاتصال مفتوحة مع بعض زعماء طالبان على أمل استخدام طالبان كقوة احتياطية في حالة حدوث مواجهة عسكرية أخرى مع الهند أو انسحاب أميركي متسرع من أفغانستان.

ولقد اختار كاميرون هذه الازدواجية الباكستانية الظاهرية موضوعاً لهجومه. ففي خطاب ألقاه أمام حشد من كبار رجال الأعمال الهنود في بنجالور، اتهم باكستان باللعب على جانبي المعادلة الأفغانية.

واستُقبِلَت تصريحات كاميرون باستياء عميق في باكستان. فقد خلفت هذه التصريحات انطباعاً بأن بريطانيا على استعداد لإذلال باكستان على الملأ من أجل كسب ود الهنود. وقد تنجح مثل هذه الاستراتيجية في الأمد القريب في الفوز بأوامر تصدير للشركات البريطانية من الهند. والواقع أن رئيس الوزراء وفريقه فازوا بعقد واحد كبير على الأقل - لبيع طائرات عسكرية تبلغ قيمتها أكثر من مليار دولار أميركي. ولكن من المرجح في الأمد البعيد أن يساهم هذا السلوك البريطاني في تدهور العلاقات الهندية الباكستانية.

ولقد طالب الرأي العام الباكستاني بتوبيخ سريع وحاسم لبريطانيا من جانب قيادة البلاد. وجاءت تلبية هذا المطلب من المؤسسة العسكرية، حيث قرر الجنرال أحمد شجاع باشا رئيس هيئة الاستخبارات الباكستانية إلغاء زيارته المقررة إلى لندن، حيث كان من المفترض أن يناقش مسائل متعلقة بالاستخبارات، في حين بدت القيادة المدنية مترددة. فبعد تردد وصل زرداري إلى لندن بعد ثلاثة أيام.

ويبدو أن الحكومة المدنية الباكستانية ألقت الكرة أيضاً في الملعب الاقتصادي، حيث تسببت الإدارة الهزيلة من جانب السلطات في دفع البلاد نحو أزمة أخرى. فبفضل الفيضانات جزئياً، والتي سوف تتكلف إزالة آثارها 1% على الأقل من الناتج المحلي الإجمالي، وبسبب عجز الإدارة وعدم رغبتها في الحد من النفقات غير الضرورية، وبسبب تباطؤ نمو الصادرات، عادت باكستان من جديد إلى مواجهة مشاكل مالية خطيرة وأخرى مرتبطة بميزان المدفوعات.

ولكن هل تفرض المؤسسة العسكرية الباكستانية مرة أخرى نفسها بشكل مباشر على الساحة السياسية، كما فعلت أربعة مرات من قبل في غضون العقود الستة التي انقضت منذ استقلال باكستان؟ أم هل يبادر قادة البلاد المدنيون إلى إصلاح سبلهم؟

إن الفارق بين اليوم والفترات التي كانت تسبق الانقلابات في باكستان دوماً يتلخص في المجتمع المدني النشط، ووسائل الإعلام الإلكترونية والمطبوعة غير المقيدة، والجهاز القضائي المستقل الحازم، وهي الجهات التي قد تتمكن من إبقاء العسكريين في ثكناتهم وإرغام الساسة على سلوك المسار الصحيح. ومع ذلك فإن شهر يوليو- تموز كان شهراً قاسياً على باكستان، ويبدو أن المزيد قادم في الطريق لا محالة.

* وزير مالية باكستان الأسبق.
خاص بالجزيرة


 


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد