هذه الوقفة جرتني إليها بعض المشاهدات والقراءات عما تعده القنوات الإعلامية، من برامج فكاهية، أو مسرحيات، أو مسلسلات، أو أغان مختلفة، تتعدد موضوعاتها، وتختلف أهدافها، وتختلط فيها كافة الأجناس، حتى باتت دقائق وقائعها، وتفاصيل أحداثها، وطرائف لقطاتها حكايات الناس وفاكهتهم في شهر رمضان، ومن الطبيعي أن تشكّل المرأة عنصراً أساسياً يقوم عليه هذا الفن، في كل حلقة من حلقاته. كل ذلك جعل الذاكرة تستعيد أبيات (جميل بثينة)، وقد استبدّ به الهوى، وتملّكه الوجد، وأقصاه كل الإقصاء عما يدور في فلك معاصريه من هموم كبيرة، وما ينازعهم من آمال عالية، يقول:
|
يقولون جاهد يا (جميلُ) بغزوةٍ |
وأيُّ جهادٍ غيرهنّ أُريدُ؟ |
لكلّ حديثٍ عندهنّ بشاشةٌ |
وكلّ قتيلٍ عندهنّ شهيدُ |
في هذا الصنف من الشهادة، وأمام الشاشات ما أكثر القتلى والصرعى، المنضمين إلى مواكب الشهداء في هذا الشهر، والذين زاحموا (جميل) على أمانيه، بل زاحموه في هذا الفن بالتمرد على القيم، والأعراف، والتقاليد.
|
نحن أمام نماذج متعددة سواء كانت قديمة، أم معاصرة، تعد مثلاً آخر في قصور العزيمة لدى الإنسان، وانحراف هدفه، وعدم استغلاله القوة الكامنة فيه، وتوظيفها فيما يعمر دنياه وآخرته.
|
في نهار رمضان أكثر من نصف هذا المجتمع مشلول للأسف، فالنوم، والسهر، والكسل، والفتور وضعف الهمة، وبرود العزيمة، وغيرها من الأسباب أصابت الناس في مقتل، ولم نعد نتخذ من روحانية هذا الشهر الكريم فرصة لتجديد الفضائل، وبعث القيم، وإحيائها في النفوس، ولم نعد نتخذ منه دروساً، في الصبر، وقوة التحمل.
|
الصوم فرصة كبيرة للإنسان، كي يفكر بذاته، وينمي قدرته في التحكم بالذات، فهو فرصة نادرة للاستعلاء على ضرورات الجسد كلها، مجال رحب كذلك للانتصار على الشهوات الحسية والمعنوية.
|
من المؤلم أن يسيء الإنسان لنفسه من حيث لا يشعر، فالتمادي أمام الملاهي، أو حلق الترفيه إهداراً للوقت بما لا ينفع، وأي إسراف في هذا المجال إنما هو في حقيقته هبوط بقيمة الإنسان في أودية سحيقة من الضعف والعجز أمام مجالات الحياة، وعمارة هذا الكون. لنتذكر الأثر: (يابن آدم... إنما أنت أيام، فإذا ذهب يومك ذهب بعضك).
|
الصوم إلى جانب ذلك فرصة للإنسان لتجديد الحياء والتربية عليها، حياء مع الخالق، حياء مع النفس، وحياء مع المخلوقين، فلا يغيب عن البال، ونحن غافلون أن (الحياء من الإيمان)، والإيمان عقيدة المسلم وقوام حياته، لنتذكر، ونحن نستعرض أمام الآخرين هذه الأبيات:
|
إذا قلّ ماء الوجه قلّ حياؤهُ
|
ولا خير في وجهٍ إذا قلّ ماؤهُ
|
|
يدلّ على فعل الكريم حياؤهُ
|
إذن، من هو المؤهل لأن يمتلك قوة القرار؟.
|
|