حين أنهيت صلاتي في الحرم المديني الشريف بادرتني امرأة تأمرني بترك المكان فتلفت يمنة ويسرة أبحث عن لوحة كتب عليها منع جلوس النساء أو غيرها فالذي أعرفه عن نفسي أنني أقرأ وأبحث قبل أن أضع قدمي في مكان ما, ترى ما الداعي وراء إبعادي عن هذا المكان؟ تساءلت بهدوء...

قالت: هنا مكان حلقة دينية أو درس ديني. قلت: وهل حددت لك إدارة الحر م مكاناً بعينه؟ ووقتا بعينه؟ ودرساً بعينه؟

ردت باقتضاب كي تنهي الموضوع: طالبات العلم وصلن. فقلت لها: أنا واحدة منهن. ردت بتوجس ودهشة: (حياك الله)..

فتحت كرسياً مطوياً في حقيبة بيدها وجلست عليه مرتفعة عنا نحن طالبات العلم الشرعي، أردت أن أسألها ألا تكونين شيخة وعالمة إلا إذا كان لك مكان أعلى تمارسين من خلاله السلطة وتشعرين مريداتك بأنهن أقل منك؟

لكني اكتفيت بطرح الأسئلة على نفسي. فطالبات العلم كثيرات ولن يسمحن بأن أحدث شيختهن بقول مثل هذا، سيبادرنني حتماً بقولهن ألا تعلمين بأن لحوم العلماء مسمومة وألا تعلمين أن هذه من ورثة الأنبياء بعلمها.

استعذت من الشيطان واستحضرت من خيالي علم عائشة وأم سلمى وقلت هذه من حفيداتهن..

فتحت كتاباً وقرأت الصفحة الأولى ثم الثانية والثالثة وبدأ التململ يسري بين المريدات وطالبات العلم وحين بدأت في الرابعة رأيت رؤوساً بدأت تهبط وتصعد والنوم يميلها يمنة ويسرة وفي الصفحة الخامسة والداعية الكبيرة تطارد ريقها الناشف وصوتها الذي بح والسامعات نيام، حاولت أن أنسحب لكنني لم يسبق أن تعرفت على أدبيات الدروس وهل يصح مقاطعة القارئة (قصدي الشيخة) أو أن هناك إشارة للانسحاب، متفق عليها، اظطررت أن أستمر تأدباً ولأنني الوحيدة المستيقظة بين السامعات.

تذكرت وصف الشيخ الرئيس ابن سينا للعالم المسلم الناقل بأنه (مشغول عمره بما سلف، ليس له مهلة يراجع فيها عقله، ولو وجدها ما استحل أن يضع ما قاله الأولون موضع المفتقر إلى مزيد عليه وإصلاح وتنقيح إياه...).