ضمن مشروعات السياحة الداخلية التي تم إنشاؤها في مصايفنا، انتصب قصر الحضارات التراثي في قرية المقر التراثية بمدينة النماص شاهداً ودليلاً على أحقية محافظة النماص بهذا المنجز السياحي
الذي يلفت الأنظار ويجذب السواح إلى تلك المنطقة سواء من داخل المملكة أو من خارجها. ويقع هذا المبنى على قمة جبل غرب مدينة النماص مطلاً على منحدرات تهامة، في موقع سياحي أخاذ، متميزاً بأجواء رائعة ومناظر خلابة تمنح السائح الراحة النفسية والاستمتاع بقضاء الصيف تحت زخات المطر وتلبد الغيوم وتراكم الضباب الذي يبدو كقطع من الجليد المتناثر تحت نوافذ القصر. يرتفع المبنى عن سطح البحر بـ(2400م) ويتميز بتصميم فريد وعمارة هندسية رائعة، فهو فلكي شمسي فلكي قمري يحتوي على حوالي (200) نافذة من الطراز الأندلسي التي تحقق حركة الشمس الفلكية داخل القصر، هذا فضلاً عن احتواء القصر على (20) واجهة وأكثر من (30) زاوية، وترتكز بنايته على (360) عمود بما يتناسب مع عدد أيام السنة. وهذا المشروع السياحي يُعَدُّ أول مشروع من نوعه في التاريخ الإسلامي، حيث يُعدُّ من القصور النادرة التي تزخر بالحضارة الإسلامية، بتمثله للعديد من الحضارات ابتداء بالحضارة النبوية مروراً بالحضارة الأموية والعباسية والأندلسية ووصولاً إلى الحضارة السعودية. ومما يميزه أنه يحتوي على ثلاثة ملايين زخرفة إسلامية نباتية، كأول سجل إسلامي في هذا المجال، وكذلك يشتمل على مليوني حَفر إسلامي. ويتكون مبنى القصر من أربعة أدوار، الأول يمثل الحضارة الأموية والعباسية والأندلسية، والثاني يمثل حضارة العالم الإسلامي المعاصرة من الصين شرقاً حتى غرب إفريقيا، ويحوي هذان الدوران (18) ألف قطعة تراثية، ويمثل الدوران الثالث والرابع حضارة العالم الإسلامي في الغرب وبه أكثر من (50) ألف مخطوطة، منها حوالي (1000) مخطوطة للقرآن الكريم. ويمثل القصر في شكله وزخارفه الخارجية القصور الأندلسية، وتشكل قبابه السبع تمثيلاً لقارات العالم. وقد أُنشئ هذا القصر التراثي بتكلفة (75) مليون ريال. هذا ما قيل على لسان صاحبه الذي أنشأه وتعود له ملكيته، المواطن العقيد متقاعد محمد علي المقر.
وإذا كان لي من تعليق على هذا الجهد الجميل وهذا المشروع السياحي العملاق، فإنني أقول بملء فِيّ إنه مشروع ضخم لكنه بإدارة فاشلة مع شديد الأسف، فما هي إدارته؟! إنها عدد محدود مشتت وغير منظم من العاملين الذين لا يجيدون صناعة السياحة ولا يفهمون أبجدياتها، وليسوا من السياحيين الدارسين والمتخصصين في فن ومهارة علم السياحة. لقد كنتُ هناك في صيف هذا العام 1431هـ، فشاهدت العجب العجاب من تواضع الخدمة وانعدام الخبرة وعدم القدرة على التعامل الصحيح بما يتناسب مع الإمكانيات الهائلة التي يحويها القصر التراثي. ومن ضمن ما أثار حنقي وأسفي على هذا المنجز الحضاري، أنني وصلت ذات يوم إلى مقر القصر بصحبة عائلتي بقصد التنزه والتجول على أرجاء المتحف، فوجدنا عاملين فقط أحدهما سعودي والآخر غير سعودي، فتح لنا الموظف السعودي باب المتحف وكأنه يفتح متجراً خاصاً وليس متحفاً تؤمه الناس ويقصده السائحون، وبعد أن تجولنا في أرجائه، أردنا أن نأخذ قسطاً من الراحة والاستجمام وتناول بعض المرطبات، فسألنا عن تلك الغرف والاستراحات الملحقة بالقصر والمطلة على تهامة والتي تقدر بعشرات الغرف كمبنى مستقل له إطلالته المميزة وإيراداته السياحية المعتبرة فيما لو شُغلت بالشكل الصحيح، فصدمنا بالإجابة عندما حوَّلنا الموظفُ السعودي إلى زميله الوحيد غير السعودي، والذي أفاد بدوره أن ذلك المبنى المخصص للاستراحة ليس من مسؤولياته وإنما من مسؤوليات عامل غير سعودي آخر، فسألناه عن ذلك الآخر فقال إنه غير موجود حالياً ويمكنكم العودة إلى هنا بعد الظهر!! فقلت له يا أخي، العامل غير الموجود لا يعنينا وجوده، نحن نبحث عن استئجار إحدى الغرف، فرد قائلاً: أعرف ولكن مفاتيح الغرف مع ذلك العامل الغائب!!!!
وأمام هذا الرد الغريب لإدارة واحد من أفضل المعالم السياحية في منطقة عسير فإنني من خلال هذا المنبر الإعلامي أهيب بأخي صاحب المشروع أن يلتفت لجهده ومنجز الوطن، وذلك بتشكيل إدارة في حجم هذا المشروع وقيمته السياحية، حتى لو تطلب الأمر أن يتعاقد مع إحدى الشركات السياحية لتشغيله بالشكل الصحيح، ليضمن السائح على الأقل وجود مفاتيح القصر وملحقاته في مكان اسمه (استقبال 24 ساعة) وليست معلقة في رقبة عامل كما لو أن تلك المفاتيح هي مفاتيحه الخاصة.
jarman4444@yahoo.com