لفتح سجل الماضي شهية لا حدود لها، وفي المقال السابق عن قبة رشيد ببريدة والشاعر ابن حزاب والتي أثارها المبدع مطلق مخلد الذيابي - يرحمهما الله - كنت قد ذكرت الزمن الأقرب وكيف هجمنا على التراث المعماري وهدمناه دون أن نصطفي منه مباني تعبر عن مرحلة الأمس...
|
الزمن الأبعد هو زمن الشاعر محمد بن حزاب بن يوسف الحزاب (1290-1370) هـ الذي ولد في الزلفي وتوفي ببريدة وسكن جنوب قبة رشيد وتنقل ما بين الزلفي وبريدة والأحساء.
|
الشاعر والمبدع مطلق الذيابي تسلل برشاقة إلى أوراق ابن حزاب و(ستل) قصيدة/ البارحة عيني/ وارتشف منها أبيات تلتقي مع الذيابي وعاطفيته وحسه تجاه الأشخاص والحياة.
|
ذبحتني يالترف عطب المضاريب |
وبليتني بلواك هذي عجيبة |
يازين عطني من ثلاث المواجيب |
لو حبه طرد الهوى ويش أبي به |
يا زين عطني حبه كودي أطيب |
برضاك ما بيها عليكم غصيبة |
إن كان ودك يالغضي ما بها عيب |
فإلى عطيت فقل تراها وهيبة |
يا دانةٍ ما جابها الغيص والسيب |
ولا قال طواش البحر كم هي به |
ريمية تلعب على القلب تلعيب |
ذباحة للي رمقها عطيبة |
عبثٍ لعوبٍ تتعب القلب تتعيب |
الله على ضافي الذوايب حسيبة |
تلك الحسرة بين الشاعرين ابن حزاب والذيابي وذلك الزمن الذي عاشه ابن حزاب من 1290هـ حين كان الشاعر يعيش إرهاصات وبواكير بلادنا وهي تتشكل في دولتها الجديدة، سجل فيه الشاعر شهادات على أربع حواضر هي الرياض والأحساء وبريدة والزلفي وكتب قصائده عن مدن حضارية تتهيأ للدخول في المدنية والاستيطان الذي كان عند وفاة ابن حزاب عام 1370 ما زال في أزمنة الطين. ومن زمن ابن حزاب في نهاية القرن الـ(13) مروراً بزمن مطلق الذيابي نهاية القرن الـ(14) وحتى زمننا في الربع الأول من القرن الـ(15) هناك حكاية مدن وعشق لم يتغير فيها الإنسان بقي مشدوداً إلى الماضي وإلى ما تبقى من أهل الأمس. والدارس الإنتروبولوجيا وعلم الإنسان الثقافي أو الإنسانيات يدرك تأثير البيئة على سلوك الإنسان وإنتاجه وعطائه وإبداعاته، رحل ابن حزاب ورحل الذيابي رحمهما الله وبقيت قصيدته وحزن وصوت الذيابي كأنها قيلت وشدي بها في الأمس القريب هي نفس الساعات عصر كل يوم، يطلع علينا بصوته من إذاعة الرياض مطلق الذيابي في برنامج (ثمارات الأوراق) في أواخر التسعينات الهجرية والرياض المدينة هي نفسها ترتدي ثوب الأسمنت وتنفض عنها بقايا الطين وأغصان القمح والبرسيم المجفف ووجوه الجمالين والرعاة والسقا والحطابين وتستبدلهم بموظفي الوزارات والشركات وعلى أطراف قلب الرياض والمزارع على شفير الأودية جففت أشجارها وردمت أبارها وطمرت قنطراتها المائية لتقيم مكانها أحياءها السكنية على الهضاب والسهوب ورغم ذلك بقي الإنسان معلقا بأهداب الماضي وحنين العشق الذي لا ينتهي.
|
|