(نصح عربي ابنه بقوله: لا تتشكى ولا تتذمر.. أريدك متفائلاً.. مقبلاً على الحياة.. اهرب من اليائسين والمتشائمين! وإياك أن تجلس مع رجل يتطير!!)
صدق ورب الكعبة فمن أسوأ ما يمكن أن يمر به الإنسان هو مزاملة المتطيرين فضلا عن اليائسين والمتشائمين.
الطيرة هي التشاؤم وأضيف عليها الوسواس الخناس والخوف من العين والحسد، لا تظن أن المتعلمين أو أصحاب الشهادات العالية بمنجاة من التطير والوسوسة بل هو داء يصيب الأمي والمتعلم والغني والفقير، كل هؤلاء يصابون به حين يجمعهم الوعي المتدني، فالوعي لا يرتبط عادة بمستوى التعليم بل هو يرتبط طرديا بمستوى الثقافة.
روت لي صديقة أنها في فترة من فترات حياتها تعرفت على زميلة وتوطدت علاقتهما وأصبحتا شبه صديقتين وكانت صديقتها تحدثها كثيرا عن مشاكلها مع زوجها والصديقة الصدوق تخلص في نصيحتها وتنصحها بالهدوء والتريث في إطلاق الأحكام والمحافظة على استقرار البيت من أجل الأطفال كما لو كانت قاضياً في محكمة فأقسمت لي أنها كادت تقول لها احتسبي واصبري لكثرة شكواها وتذمرها وتهديدها ووعيدها بترك البيت!
وتكمل صديقتي روايتها بالحديث عن جهدها الذي تبذله في التفكير في حل لمشكلات صديقتها الجديدة بل كانت تخلص وتجتهد في تفسير مواقف الزوج التي تحدثها عنها صديقتها بتفسيرات إيجابية حتى تسهم في تهدئة نفسها، لاحظت صديقتي الراوية بعد فترة أن زميلتها تكثر من الحديث عن المشاكل في حياتها وحقائبها (المصككة) استعدادا لترك المنزل إلى الأبد وهي في الطريق لحضور مؤتمر أو المشاركة في لجنة أو السفر مع زوجها واكتشفت صديقتي أيضا أنها آخر من يعلم من بين الزميلات اللاتي اكتشفن تطير ووسوسة زميلتهن وابتعدن عنها تباعا.
قلت لصديقتي لكن مساعدة هذه المتطيرة تبدأ في رأيي من الشفافية والمجاهرة في الحديث عن النعم وإظهار أثرها وعدم حجبها وكأنها إثم مبين!
مشكلة مجتمعنا الأساسية تكمن في هذا التحفظ الشديد والرسميات في علاقاتنا فلا ننطلق في حياتنا بعفوية، تخلص المرأة كثيرا في تطبيق الأمثلة الشعبية، ولا نكون على سجيتنا في اجتماعاتنا ونتكلف ولا نكون كما نحن!
وحين يكون بيننا من يأبى إلا أن يكون على سجيته وعفويته نصنفه في قائمة «الطيبين» وفي اللهجة الشامية «المعترين»، فثقافتنا الاجتماعية تعلي من قيمة الصمت والصموتين وكلما كان كلام الفرد قليلا دل على أنه عاقل.
لذا ارتبطت الثرثرة بالنساء باعتبارهن الجنس الأدنى ولم تتغير هذه النظرة حتى بعد الدراسات العلمية التي تجعل من الثراء اللفظي إحدى علامات الذكاء!
لا أرى في الصمت قيمة فهو حجاب يمنعك من معرفة الآخر ويحرمك من أفكار كانت ستضيف إليك لولا الصمت. تحدثوا حتى أراكم هكذا أقول لأطفالي كل يوم لكنني أيضا أقول اجعلوا في حديثكم قيمة الصدق والجدة والدهشة. هذا لا يتعارض مطلقا مع الاستعانة على قضاء الحوائج بالكتمان. فالتوجيه النبوي يوصي بالكتمان أي بعدم التوسع في الحديث عن أمر لم يكتمل بعد تحوطا من عدم حدوثه وليس طيرة وتشاؤماً!
إذا أحسست ولو لثانية أن دائرتك تسلل إليها أي من المتطيرين أو اليائسين أو المتشائمين أو من يوهم الناس بأنه مريض أو تعيس درءا للعين فافتحها وأخرجهم سريعا ولا تندم عليهم أبدا وكما يقول إخواننا المصريون (اكسر وراهم أُلة)؛ فالحياة أقصر من أن تكابد فيها رفقة هؤلاء!
صباحكم سعيد بالفأل والرفقة المبهجة.