Al Jazirah NewsPaper Monday  02/08/2010 G Issue 13822
الأثنين 21 شعبان 1431   العدد  13822
 
حولها ندندن
التشدد الآخر
د. جواهر بنت عبدالعزيز آل الشيخ

 

التشدد بجميع أنواعه ومصادره ومجالاته ممقوت من قبل كل فئات البشر، حتى الأفراد المتشددين والجماعات المتشددة تمقت التشدد إذا جاء من غيرها، لأنه يخالف طبيعة النفس البشرية التي ترفض السيطرة عليها من أي شخص كان، إضافة إلى أنه يتنافى مع الأساليب السليمة للإقناع والتأثير الإيجابيين.

والبراهين التاريخية العظيمة عديدة خالدة، أهمها دعوات الأنبياء والرسل عليهم من الله أفضل السلام، وقمتهم نبي الإسلام محمد صلى الله عليه وسلم الذي استعمل - بدعم إلهي - كل وسائل الإقناع الإيجابي والتأثير العقلاني، كما استخدم الوحي الرباني أسلوب التدرج في التشريعات من تحريم وتحليل وإيجاب ونهي، لأن الطبيعة الإنسانية تجد صعوبة بالغة في ترك قديم تعودت عليه حتى لو كان مضرا بها، أو فرض جديد لم تألفه حتى لو كان نافعا لها، وكذلك استخدم أسلوب الإقناع النفسي وضرب الأمثلة المبرهنة له.

ولعل أبلغ وأعظم ظاهرة في تاريخ الإسلام وساهمت في نشره، هي (ظاهرة التسامح والعفو) التي زخرت بها أحداث عصر النبوة والتي لا يتسع المجال لذكرها جميعها، بل إن العالم بها يعرف أنها تستحق مجلدات لإحصائها، فقدوتنا محمد بن عبدالله هو الذي عفا عن قاتل عمه وحبيبه حمزة بن عبدالمطلب رضي الله عنه، الذي نحره مع سبق الإصرار والترصد في ساحة حرب وعداوة من المشركين للمسلمين، وهو المدعو (وحشي)، وذلك حينما أعلن إسلامه في أحداث فتح مكة، رغم معاناته الإنسانية الطبيعية - عليه السلام - التي جعلته لا يسعد حتى بمجرد رؤية من فجعه في عزيزه.

وغير ذلك من الأحداث الجسام التي في مقدمتها عفوه صلى الله عليه وسلم عن جميع المشركين الذين أصروا على قتاله حتى آخر لحظة في فتح مكة، ومع ذلك قال لهم وهم مأسورون مهزومون في قبضة يده: يا معشر قريش ما تظنون أني فاعل بكم؟ قالوا: خيرا، أخ كريم وابن أخ كريم، حينها قال لهم عبارته المشهورة العبرة القدوة: (اذهبوا فأنتم الطلقاء).

ورغم كل تلك النماذج الإنسانية الإسلامية الجميلة وغيرها، إلا أننا نرى هناك من يستمرئ إعادة نشر الكره وإثارة الأحقاد وإحياء الضغائن السوداء وإضفاء روح شر ممقوتة، إما لأغراض شيطانية تريد فرقة المسلمين وتشرذمهم، وإما عن جهالة وسذاجة واتباع أحمق، والنماذج المؤلمة على ذلك كثير، فقد انتشر مؤخرا عبر البريد الإلكتروني والشبكة العنكبوتية الموثقة بصور عديدة، ساحة روضة أطفال بنين وبنات بإحدى مدننا، وهي تحتفي بذكرى موت فاطمة الزهراء رضي الله عنها، وتدّعي أنها ماتت مقتولة، ودربت الصغار على التغني بالمناداة بالثأر ممن قتلها! وإنشاد ذلك وهم يبكون ويحملون حجرا كبديل لنعشها؟!

فهل من المعقول أنه بعد كل هذه القرون الزمنية العديدة واندثار أهلها رحمهم الله، يوجد من يدرّب أطفالا أبرياء على الكره وطلب الثأر والقتل؟ والسؤال الأهم الذي يطرح نفسه: من هو الذي يريد هؤلاء المنتمون للإسلام أن يثأروا منه؟ أهو من رفات وأوهام خلقها خيالهم المريض؟ أم يريدون أي كبش فداء فيجعلوا من المسلمين فرقا متمزقة أكثر من تمزقها وتقزمها! ولماذا لا يقوم عقلاؤهم بتخطئة أمثال هذه التصرفات المبالغ فيها، كما يفعل بعض أهل السنة مع متشدديهم؟!

لقد توفي الخلفاء الراشدون -رضوان الله عنهم- وهم متآلفون متسامحون متوادون، حتى وصلوا إلى حد المصاهرة المستمرة فيما بينهم، وتسمية أبنائهم بأسماء بعضهم البعض، ومع هذا يوجد في عصرنا الحاضر من يريد صنع كراهية جديدة بادعاء أوهام متشددة مخلوقة من العدم لم يدعُ إليها دين ولم يؤيدها عقل، بل إن هناك من يكفر المخالفين لرؤاهم الغريبة الخطيرة؟!

إن مقاومة تشدد أفراد فئة دينية واحدة لا يكفي للقضاء على الإرهاب والتشدد المنهي عنه شرعا وعرفا، بل يجب أن يكون هناك محتسبون في كل طائفة بل في كل ديانة لتفنيد مزاعم المتطرفين المبالغين، وأصحاب الأهواء والمصالح المتسترين بدثار الدين من كل العقائد، وفي مقدمتها عقيدة التطرف اليهودي الصهيوني الذي يصر على مزاعم وادعاءات ليس لها من الله سلطان أو دليل، بأنهم شعب الله المختار، الذي من حقه أرض الميعاد المختصة بهم دون بقية شعوب الأرض؟!





g.al.alshiakh12@gmail.com

 


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد