Al Jazirah NewsPaper Monday  02/08/2010 G Issue 13822
الأثنين 21 شعبان 1431   العدد  13822
 
شجن من كلام جهاد الخازن
د. عبد الله الصالح العثيمين

 

من ألمع كتّاب الأعمدة الصحفية الكاتب جهاد الخازن. وتمتاز أكثر كتاباته بالجدّة المعتمدة -في أغلب الأحيان- على مصادر لها مكانتها. وكتابته في عموده اليومي بصحيفة الحياة لها قراؤها الكثيرون......

..... وفي هذه المقالة تجدر الإشارة إلى بعض ما ورد في مقالتين نُشرتا له في الصحيفة المذكورة أولاهما بتاريخ الخامس من شعبان الجاري، وثانيتهما بتاريخ الثامن من الشهر نفسه.

ولقد تناول الأستاذ جهاد في المقالة الأولى مسألة تعذيب المعتقلين -وأغلبهم إن لم يكونوا جميعاً من المسلمين- بأيدي الأمريكيين، ودور الاستخبارات البريطانية في التستّر على من مارسوه. واستغرب أن ينجو من المحاكمة أولئك الذين أمروا بذلك التعذيب، أمثال الرئيس بوش ونائبه تشيني ووزير دفاعه رامسفيلد. وفي رأي كاتب هذه السطور، ذي البضاعة المزجاة في عالم السياسة والإعلام، أن ما ارتكب من تعذيب ليس بغريب، وأنه لا غرابة في نجاة من أمروا به من المحاكمة، ولا في تستّر الاستخبارات البريطانية عليه. فالدولة الأمريكية قامت أساساً على الإرهاب، تماماً كما قامت الدولة الصهيونية، وظلت محافظة كل المحافظة على الأساس الذي قامت عليه.

كل ما في الأمر أن ارتكابها الإرهاب عند قيامها كان موجهاً ضد شعوب في القارة الأمريكية، وأن مواصلتها الإرهاب أصبحت موجهة ضد شعوب أخرى خارج تلك القارة، وبخاصة ضد العرب والمسلمين في العقود الأخيرة.

وإذا كانت أمريكا قد فرضت -بقوتها الجبارة وغطرستها المتكبّرة- على العالم عدم محاكمة أي جندي أمريكي ارتكب جريمة ضد آخرين غير أمريكيين أمام محكمة غير أمريكية فهل يتوقع أن يحكم قادتها على جرائم ارتكبوها ضد الآخرين؟ ثم إن من المعلوم أن زعماء أمريكا الأوائل، الذي ارتكبوا مختلف أنواع الجرائم -بما فيها استخدام الأسلحة الكيماوية- ضد سكان أمريكا الأصليين كانوا من الأنجلو - ساكسون أسلاف قادة بريطانيا الحاليين. وليس من المتوقع إطلاقاً إلا أن يكون هؤلاء القادة من قادة أمريكا جنباً إلى جنب، فبعضهم أولياء بعض. ومن الافتراء أن يقول قائل: إن في مواقف القادة البريطانيين، ماضياً وحاضراً، ما يشير إلى أن منها ما كان غير عدائي لأمتنا، التي منها -لسوء الحظ- أولئك المعذّبون.

ولقد اختتم الأستاذ جهاد تلك المقالة بقوله: «السياسيون المتهمون مدانون في محكمة الرأي العام، وإذا لم يوضعوا في قفص الاتهام فالإدانة الأخرى هي للديمقراطية الغربية المزعومة».

أما كاتب هذه السطور فيعتقد اعتقاداً جازماً أن أولئك السياسيين لن يوضعوا في قفص الاتهام، بل سيظلون -كما كانوا- مكرّمين مبجّلين من قِبل بعض زعماء أمتنا نفسها، التي يكوّن المعتقلون المعذبون أفراداً من بلدانها. أما محكمة الرأي العام فلا أظن إنساناً جاداً في نظرته إلى الأمور يجهل أنها ليست لها أي سلطة نافذة. وتبقى الديمقراطية الغربية. هل يجهل أحد أن مجيء زعيم مثل هتلر كان قد أتى إلى الحكم في بلد غربي عن طريق تلك الديمقراطية؟ وتعامل من يدّعون تمسكهم بالديمقراطية مع مختلف شعوب العالم غير الغربي أمر معروف مشهود.

وأما ثانية مقالتي الأستاذ جهاد الخازن فعمّا سمته الإدارة الأمريكية «الالتزام الأخلاقي» بإسرائيل. وهذا أكبر خطأ في التسمية السياسية من وجهة نظره الصادقة. ذلك أنه كما قال: «التزام بدولة فاشستية تقتل النساء والأطفال وتحتل وتُدمّر، وتسرق البيوت من ساكنيها، وتهاجم دعاة السلام في المياه الدولية». لكن السؤال الذي يمكن أن يطرح هنا، هو: هل تاريخ أمريكا الماضي أو حاضرها الراهن يدل على التزام قادتها أنفسهم بالوقوف ضد ظلم الآخرين أو بعدم ممارسته وارتكاب جرائم فظيعة؟

ومما أشار إليه الأستاذ جهاد في مقالته الثانية تقرير يظهر وجود أربعين جماعة أمريكية جمعت أكثر من مئتي مليون دولار هدايا للمستوطنات الصهيونية في الضفة الغربية والقدس الشرقية. وهذا -بطبيعة الحال- غير ما تهبه الدولة الأمريكية للكيان الصهيوني من معونات بدأت بمنح هذا الكيان مئة مليون دولار هدية له فور إعلانه قيامه سنة 1948م، وظلت تزداد هداياه له مع مرور الأيام مروراً بضمان إدارة بوش الأب للدولة الصهيونية بعشرة بلايين دولار استخدم كثير منها لبناء مستوطنات لليهود الروس في الأراضي الفلسطينية المحتلة. وليس هذا كله بغريب. فالمتابعون لمجريات الأمور في أمريكا يكادون يجمعون على أن «الكونجرس الأمريكي أكثر إسرائيلية من الكنيست الإسرائيلي نفسه».

ومما أشار إليه الأستاذ جهاد، ما قاله كورسمان، الباحث العسكري البارز، من أن «الالتزام الأخلاقي» الأمريكي بإسرائيل لا يبرر إجراءات للحكومة الإسرائيلية تجعلها عالة إستراتيجية على أمريكا، وأن المصلحة الإستراتيجية الأمريكية - الإسرائيلية تعني -على المدى البعيد- طلب السلام مع الفلسطينيين، ووقف بناء المستوطنات وعدم الاحتفاظ بها، وتجنّب المغامرة بضربة عسكرية لإيران، وعدم تهديد مصالح أمريكا في العالمين العربي والإسلامي».

أما كاتب هذه السطور فيقول: إن الكيان الصهيوني واثق كل الثقة أن إرادته هي النافذة في نهاية المطاف وفق مجريات الأمور في أمريكا. ومن يظن أن الدولة الصهيونية، حكومة وشعباً، تريد سلاماً مع الفلسطينيين بخاصة ومع العرب بعامة، فهو يعيش في دنيا خيالات لا تمت إلى الواقع بصلة. ولا يقل عن هذا معيشة في الخيال ظن من يظن أن الصهاينة سيتخلّون عما بنوه من مستوطنات، على أن الغرابة أن يوجد من يتحدث عن تهديد لمصالح أمريكا في العالمين العربي والإسلامي لدعمها المطلق للكيان الصهيوني. ذلك أن من المشاهد أن تلك المصالح لم يلحقها أي ضرر، بل إنها ازدادت قوة ورسوخاً رغم ذلك الدعم الأمريكي المطلق للصهاينة، ورغم أن بلداناً إسلامية ما زالت بفعل أمريكا، أو بسببها، تعاني صنوفاً من الويلات والدمار.



 


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد