إن من الآثار والشواهد العلمية المكتوبة والتي لا تزال باقية وتعطي صورة مشرقة عن علم علماء الدعوة السلفية. كما تعطي لمحة موجزة بشيء من الشمولية في كثير من الأمور العلمية عن تاريخ هذه البلاد وقراها. كتاب مجموعة الرسائل والمسائل النجدية والذي يعد من أوائل الكتب المطبوعة في رسائل علماء هذه الدعوة وأجمعها والمعول عليه في النقل والإفادة. والمكون من أربعة أجزاء جُمع فيها عدد من فتاوى ورسائل الشيخ محمد بن عبد الوهاب وتلاميذه وتلاميذهم وبعض أبنائه وأحفاده ومعاصريهم. ورتبة المسائل والرسائل على الأشخاص بدءاً بالشيخ محمد بن عبد الوهاب.ثم الذي يليه ورسائله وفتاواه وهلم جرا.والكتاب فيه من الميز الشيء الكثير منها: أنه يحكي حوادث حقبة تاريخية لعلماء وولاة هذه البلاد داخلياً وخارجياً قبل وبعد دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب وكيف كانت طبيعة أسلوب رسائلهم ومسائلهم الفقهية المذهبية وردودهم وفتاواهم ونقولاتهم وتقاريضهم العلمية وأثرها في داخل الجزيرة وخارجها. أيضاً اشتمل على كثير من أسماء وأعلام علماء وطلبة العلم ونساخه وبالأخص في جنوب منطقة الرياض كالحريق والحوطة وكان ذلك لأسباب كثيرة. والكتاب طبع بدون ذكر جامعه وكان طبعه على نفقة الملك عبد العزيز بين سنتي 1346ه-1349ه. وجعله وقفاً على طلبة العلم. وقد ازدان الكتاب بوضع عناوين وتعليقات يسير في عدة مواضع من الشيخ محمد رشيد رضا (ت: 1354ه) إضافة إلى أنه كان المشرف على طبعه في مطبعة المنار بمصر. وكان السبب والمعين والمشجع على طبعه مفتي البلاد ومؤسس مجلة الدعوة الشيخ محمد بن إبراهيم (ت: 1398ه) ثم أعيد تصوير الكتاب على الطبعة الأولى في عام 1409ه بنسخ معدودة على نفقة المحسن علي الهزاع (ت: 1431ه) وتوزيعه وقفاً على طلبة العلم بزيادة مقدمة ضافية للشيخ عبد الله بن حبرين (ت: 1431ه) وجعل لجزء الرابع في مجلدين إضافة إلى فهارس مستقلة غير شاملة. وكان الفضل في سبب إعادة تصويره الشيخ عبد السلام البرجس (ت: 1425ه) وذلك لأهميته ولما تميّز به. وقد أفاد منه كثيراً الشيخ عبد الرحمن بن قاسم (ت: 1392ه) في كتابه الموسوم ب(الدرر السنية في الأجوبة النجدية مجموعة رسائل ومسائل علماء نجد الأعلام من عصر الشيخ محمد بن عبد الوهاب إلى عصرنا هذا) وزاد عليه أضعافه. ولقد وهم بعض أصحاب التراجم ومنهم الدكتور علي الطاهر (ت: 1417ه ) كما ذكر ذلك في عدة مواضع من كتابه معجم المطبوعات العربية. ص-1938حينما نسب تأليف كتاب مجموعة الرسائل والمسائل النجدية للشيخ عبد الرحمن بن قاسم (ت: 1392ه) وذلك لتشابهما بالجملة وفي العنوان. ولا شك أن بينهما من الفوارق الشيء الكثير وهي مظنة الدراسة. ولعل أهم الفوارق الجوهرية في الدرر السنية: في الترتيب وضم النظير إلى نظيره وفي الإضافات والزيادات الكثيرة. وكتاب مجموعة الرسائل والمسائل النجدية يوضح الأعلام الموجودة أو المحذوفة في الدرر السنية. وهناك أشياء يسيرة لم تذكر في الدرر. أيضاً ومما يدل على أهمية كتاب مجموعة الرسائل وعناية أهل العلم به، نقلهم منه، بل إفراد بعض الرسائل منه وطبعها مستقلة ككتاب عيون الرسائل والأجوبة على الرسائل للشيخ عبد اللطيف آل الشيخ (ت: 1293ه) والكتاب مهم بحق. وكم أعرت الكتاب وسُئلت عن أماكن وجوده عدة مرات. وخصوصاً من الباحثين في تاريخ الجزيرة العربية. ولعل من أسباب ذلك أن الكتاب مضى عليه أكثر من أربعة وثمانين عاماً، وكان طبعه وتصوريه لعدد محدود إضافة إلى أنه طبع وصور وقف لله فلا يباع ولا يشترى. مما حد من اتساع انتشاره. وهذا مما يدعو المؤسسات الخيرية وطلاب العلم والباحثين إلى إعادة طباعته والتحقيق في جامعه والعناية به ودراسة وتحرير مسائله وفهرستها وتكشيفها والتراجم لأعلامه والإحالة على المكررات والتنبيه على الرسائل مجهولة النسبة. وحسبي من هذه الدراسة الموجزة أني أفدت ولفت النظر.
خالد بن علي الحيان
المرشد الديني للقوات البحرية