انتشر قبل فترة بين مستخدمي الإنترنت، مقطع صوتي مأخوذ من إذاعة»بي بي سي» العربية، كان عبارة عن سؤال ألقاه المذيع على ضيفه السيد ياسر عبدربه يقول فيه: من هو عدوكم في السلطة الفلسطينية، إسرائيل أم حركة حماس؟ إسرائيل على لسان وزير دفاعها يقول إنه لا سلام قريب مع الفلسطينيين، وأنتم تصرّون على التفاوض معهم، بينما ترفضون في الوقت ذاته أي تفاوض أو أي حوار مع حركة حماس؟
تأتي الإجابة كالتالي: اسمع، أنا مش ح أكلمك لأن هذا السؤال اللي قدمته وقح ورخيص. فيقاطعه المذيع: أرجوك احفظ لسانك سيد ياسر. فيجيب: أنت واحد وقح ورخيص لما تقولي من هو عدوك؟ حماس ولا الاحتلال؟ أنت واحد قليل أدب ووقح!
صحيح أن السؤال استفزازي، لكن كان على أي رجل دولة، رجل سلطة، أن يتماسك أمام أي سؤال أو تصرف مستفز، وأن يجيب بطريقة حادة وحاسمة.
حينما سمعت هذا المقطع، استعدت لقائي بصحبة زملاء إعلاميين من وزارة الثقافة والإعلام ووكالة الأنباء السعودية، بوزير الخارجية الأرجنتيني قبل عامين، وقد ألححت عليه بالسؤال حول مصير الخلاف الأرجنتيني البريطاني حول جزر فوكلاند، فأجاب بأنهم سيواصلون الحوار الدبلوماسي، وكلما سألته إذا لم يكن الحل الدبلوماسي ناجعاً، فماذا سيحدث؟ فيعود إلى أن الحل الدبلوماسي هو المخرج الوحيد للخلاف، كنت أضغط عليه لأرى احتمالات الحرب، لكنه كان يبتسم بوعي الدبلوماسي المحنّك، ويشرح لي أكثر أهمية التوصل إلى حل دبلوماسي بين الطرفين!
طبعاً، رغم الفارق بين الحالتين، بين السؤالين والشخصيتين، إلا أن العرف السياسي العام يتطلب توازن الشخصية الدبلوماسية، وقدرتها على التعامل بذكاء في جميع المواقف، وتحت كل الظروف، وهو يشبه الحلم الذي نفترضه دائماً في ربّ الأسرة، الذي يجب أن يكون أكثر هدوءاً من الابن أو الابنة، أن يتسع صدره لكل الأزمات التي قد تعترض حياة هذه الأسرة.
ولاشك أن التعامل الدبلوماسي يتم اكتسابه خلال العمل الدبلوماسي، ويتشكّل ذلك بالخبرة والمراس، ولكن هناك جانب فطرة وسرعة بديهة لا يمكن اكتسابها، بل تولد مع الشخص حتى لو كان عادياً، إذ يتجاوز في حياته العادية الكثير من المآزق بسبب حنكته وقدرته على تجاوز المواقف.
لو فكّرت -عزيزي القارئ- بينك وبين ذاتك، كم من المواقف التي تماسكت فيها، وكم من المواقف التي تهوّرت فيها، وتلفظت أو أسأت للآخرين؟ وكم فقدت من قيمتك الإنسانية قبل أن تفقد صداقاتك مع الآخرين؟ لوجدت الكثير، ولندمت كثيراً على معظم تصرفاتك التي ارتكبتها، فليست الشجاعة أن تنهال على الآخرين، بل الشجاعة هي أن تتمالك نفسك عند الغضب.
ف»ليس الشديد بالصرعة، إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب» كما قال المصطفى صلاة الله وسلامه عليه.