للزميل الكاتب الأستاذ فهد الدغيثر عبارة تقول: (التنمية التي لا تفرز وظائف، ولا توظف المواطنين، ليست تنمية)؛ وهذا صحيح؛ فهدف التنمية الاقتصادية هو الارتقاء بالمواطن (أولا)؛ وإذا همش الاقتصاد والاستثمار المواطن، ولم يعتنِ بإتاحة الفرص أمامه لأن يعمل، ويشارك في التنمية، فهو بالضرورة اقتصاد لم يحقق الغاية الأولى منه، أي أنه في النتيجة اقتصاد فاشل؛ فالعبرة بتنمية البشر وليس الحجر.
محافظ الهيئة العامة للاستثمار عمرو الدباغ صرح في أحد لقاءاته لاستقطاب المستثمر الأجنبي قائلاً: (السعودة ليست من أهداف الهيئة، ولن يتم فرض نسبتها على المستثمر الأجنبي في هذه المدن، فالأولوية للكفاءة، والأفضل هو خلق المواطن السعودي الذي يملك المهارات العملية والوظيفية التي تجعله مؤهلاً للمنافسة في سوق العمل). ولا أدري كيف يكون استثماراً في بلد ما ولا يستفيد منه أبناؤه؟..
فإذا كنا سنقدم كل هذه الإمكانيات والتسهيلات والامتيازات التي ربما تفوق ما يحصل عليها المستثمر المواطن، وفي النتيجة لن يستفيد إنسان الوطن حتى على مستوى التدريب، ولن تساهم في محاصرة البطالة، فلماذا إذاً الاستثمار، إلا إذا كان يعنينا منه البرستيج والمظاهر والتفاخر ليس إلا.
فالدول عندما تشجع الاستثمار، وتستقطب رأس المال الأجنبي من الخارج، تسعى إلى تحقيق هدفين: توطين رأس المال (الأجنبي) في البلاد التي عادة ما تكون في حاجة إليه، وفي الوقت ذاته تشغيل المواطن في هذه المشاريع ومحاصرة البطالة.
وغني عن القول إن تشغيل المواطن بالنسبة لنا يتقدم على توطين رأس المال الأجنبي من حيث الأولوية.
بل إن هناك كثيرا من الدول تشترط على المستثمر الأجنبي تشغيل وتدريب نسبة من مواطني البلد كعاملين في المشروع، وهذه النسبة تتصاعد مع الزمن لتواكب اتساع المشروع؛ بل حتى الإعفاءات الضريبية لمثل هذه المشاريع - إن وجدت - تكون مرتبطة في الغالب بنسبة تشغيل المستثمر للمواطنين.
أي أن عمل المواطن في هذه المشاريع (غاية) في حد ذاتها، لا يجوز أن نتنازل عنها مهما كانت الظروف.
ثم لا أدري كيف سمح لنفسه محافظ الهيئة أن يقول: (والأفضل هو خلق المواطن السعودي الذي يملك المهارات العملية والوظيفية التي تجعله مؤهلاً للمنافسة في سوق العمل).
طيب يا معالي المحافظ: كيف سيتم خلق مثل هذا المواطن إذا كان المستثمر غير ملزم لا بتشغيل المواطن ولا بتدريبه؛ معنى ذلك أن المستثمر سيستغل كل معطيات البنية التحتية الخدماتية في البلاد، وبالذات الرخيصة الكلفة منها، كالماء والكهرباء والمنتجات البترولية والطرق والموانئ، وسيأتي بعمالته كاملة من الخارج، ولن يعود استثماره على البلاد (عملياً) إلا بتذمر المواطن وشعوره بالغبن، وهو يرى خيرات بلاده تذهب أمام عينيه إلى الأجانب، وهو وأبنائه وبناته يئنون من البطالة والفقر..
وعلى هذا المنوال سنبقى إلى أبد الآبدين (بلا) أيد عاملة تملك المهارة والقدرة على الإنتاج ناهيك عن المنافسة في سوق العمل؛ فالعمالة الماهرة لا تهبط من السماء، وإنما يصنعها التدريب والخبرة التراكمية من خلال العمل في مثل هذه المشاريع، وتنمية الطاقات البشرية المحلية؛ فإذا لم تساهم هذه المشروعات بدءاً في صناعة المواطن المنتج القادر على العطاء والإنتاج، فلماذا هذه الاستثمارات إذن؟! معنى ذلك أن تجربتنا المريرة مع (سعودي أوجيه) مثلاً، في إقصائها للمواطن، وتقديم الأجنبي عليه، ستتكرر؛ فسعودي أوجيه كانت في زمن ما (أجنبية)، وتسعودت شكلاً وبقيت أجنبية مضموناً؛ ولم يستفد منها المواطن على مستوى التدريب وتشغيل السعوديين شيئاً.
وحسب شروط هيئة الاستثمار التي تحدث عنها معالي المحافظ فإن مأساتنا نحن السعوديين مع سعودي أوجيه ستتكرر ولكن على نطاق أوسع.
إلى اللقاء.