القاهرة - مكتب الجزيرة
اكتسبت القمة المصرية السعودية التي عقدت بمنتجع شرم الشيخ أهمية كبيرة في ضوء الملفات العربية والإقليمية الهامة التي تناولتها وتشاور بشأنها الزعيمان الكبيران، أهمية إضافية في ضوء توقيتها الذي يأتي في وقت تشهد فيه المنطقة العديد من القضايا الساخنة على الساحتين العربية والإقليمية، فضلا عن ثقل الزعيمين الكبيرين والمكانة الكبيرة التي تتمتع بها مصر والمملكة بين العالمين العربي والإسلامي وهو الذي يجعل من لقاء قيادتي البلدين محط أنظار واهتمام العالم كله انتظاراً لما ستسفر عنه مباحثاتهما من نتائج تصب بكل تأكيد في صالح خدمة القضايا العربية والإسلامية.
وأسفرت القمة عن نتائج هامة على رأسها تهيئة الأجواء لتحقيق المصالحة بين مصر وسوريا والتأكيد على الثوابت العربية وتطابق وجهات النظر بين المملكة ومصر من خلال اتفاق الزعيمين على ضرورة إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة كشرط لتحقيق السلام.
كان خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز قد وصل إلى مدينة شرم الشيخ مساء السبت، وذلك في مستهل جولة عربية يزور خلالها كل من سوريا والأردن ولبنان. وعقب مراسم الاستقبال الرسمية، عقد خادم الحرمين والرئيس حسني مبارك اجتماعاً ثنائياً في المركز الدولي للمؤتمرات في شرم الشيخ تناولا فيه مجمل الأحداث والمستجدات على الساحة العربية، وفي مقدمها تطورات القضية الفلسطينية، والتعثر الذي تشهده عملية السلام، ومعاناة الشعب الفلسطيني جراء الحصار، وتهديم المنازل والممتلكات، ومصادرة الأراضي، وضرورة الوصول إلى حل عادل وشامل يضمن الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، وفقاً لقرارات الشرعية الدولية، ومبادرة السلام العربية في هذا الشأن.
كما تناولت المباحثات الأوضاع في العراق، وأهمية الوصول إلى تشكيل حكومة وطنية دون تدخل خارجي تعمل على تحقيق أمن واستقرار ووحدة العراق. وشملت المباحثات كذلك الأوضاع في لبنان وحاجته إلى نبذ الفرقة بين جميع طوائفه، وتحقيق الأمن والسلام لشعبه. وبحث الزعيمان الأوضاع في السودان وضرورة إنهاء ما يشهده من خلافات للحفاظ على وحدة أراضيه وأمنه وسلامته، وكذلك الوضع في الصومال والحاجة إلى إيقاف نزيف الدم وتقريب وجهات النظر لإنهاء الانقسامات والحروب، وتحقيق المصالحة التي تضمن وحدة الصومال وأمنه وسلامته. كما تناولت مباحثات الزعيمين مجمل التطورات على الساحتين الإسلامية والدولية وموقف البلدين الشقيقين منها، إضافة إلى آفاق التعاون بين البلدين الشقيقين وسبل دعمها وتعزيزها في جميع المجالات بما يخدم مصالح البلدين والشعبين الشقيقين.
وجاءت القمة في ظل تطورات الأوضاع في كل من لبنان والأراضي الفلسطينية والعراق، وهى تطورات تحمل في طياتها مخاطر وتهديدات لأمن واستقرار المنطقة، وكذلك على خلفية التحركات والمباحثات التي جرت خلال الفترة الأخيرة، والتي كان لكل من الرياض والقاهرة الدور الفاعل والمؤثر فيها بما يخدم العمل العربي المشترك.
وأكدت القمة حرص القيادتين السعودية والمصرية على استمرار التشاور والتنسيق بين البلدين لمعالجة كل الملفات الساخنة التي تشهدها المنطقة حاليا، وحرصهما كذلك على تعزيز العلاقات بين البلدين والتي تتسم بقدر كبير من التقارب والتميز والتنسيق المتواصل على مستوى القيادة السياسية، فالعلاقات بين البلدين تتميز بكونها علاقات تاريخية تمتد جذورها إلى عشرات السنين، كما أنها علاقات متشعبة تعززها العلاقة الأخوية القائمة بين الملك عبدالله بن عبدالعزيز والرئيس حسني مبارك، ولا شك في أن هذه العلاقات تعد أهم ركائز العمل العربي المشترك، كما تعد بمثابة النواة الصلبة والركيزة الأساسية لنظام إقليمي عربي أكثر فاعلية وقدرة على تجاوز أزماته الداخلية وتحدياته الخارجية.
كما جاءت القمة في إطار الجهود السعودية والمصرية لمعالجة وحل الأزمات التي تشهدها المنطقة حاليا لما فيه صالح الشعبين وصالح العالمين العربي والإسلامي، وبما يزيد من فعالية الدور العربي في كل من العراق ولبنان وفلسطين، فالتطورات التي تشهدها المنطقة تتطلب تنسيقا وتشاورا متواصلا ومستمرا بين السعودية ومصر، انطلاقا من الثقل السياسي الذي تمثله البلدان على الصعيدين الإقليمي والدولي.
ولا شك أن العلاقة الحميمة والمميزة الخاصة بين خادم الحرمين الشريفين حفظه الله والرئيس حسني مبارك، تساهم بشكل كبير وفعال في حل كثير من القضايا العربية، والجميع يعلم أنه لا يمكن أن يتم أي أمر في المنطقة إلا بالتشاور والتفاهم بين المملكة ومصر وذلك لثقل البلدين على المستويين العربي والدولي والمكانة الكبيرة التي تحظى بها كل من المملكة ومصر. كما يعلم الجميع أن أي لقاء بين القيادتين السعودية والمصرية سيكون له نتائج إيجابية ليس على العلاقات الثنائية بين البلدين فحسب ولكن على مجمل القضايا العربية والإسلامية.
ويذكر التاريخ لخادم الحرمين الشريفين إطلاقه لمبادرة المصالحة العربية في قمة الكويت، والتي تهدف إلى أن تكون الدول العربية يداً واحدة لمواجهة الأخطار التي تواجهها الأمة العربية، ومنذ إطلاق هذه المبادرة وخادم الحرمين يبذل جهوداً حثيثة لتقريب وجهات النظر بين القادة العرب وتنقية الأجواء بهدف لم الشمل العربي وتحقيق المصالحة المنشودة.
وكانت المملكة قد بدأت بنفسها في هذا الإطار متناسية خلافاتها مع الشقيقة سوريا لتتحقق المصالحة بين الرياض ودمشق، فيما لازالت جهود خادم الحرمين الشريفين تتواصل لتحقيق المصالحة بين القاهرة ودمشق وذلك في محاولة لإحياء المثلث الذهبي بين العواصم العربية الثلاث (الرياض - القاهرة - دمشق) وهو المثلث الذي سيكون له الدور الأكبر في خدمة القضايا والمصالح العربية والإقليمية لما للمملكة ومصر وسوريا من مكانة كبيرة وثقل سياسي بين دول المنطقة. ويرى المراقبون أن خادم الحرمين نجح بالفعل في تهيئة الأجواء لتحقيق المصالحة المصرية السورية مشيرين إلى أن هذا كان واضحاً من تصريحات المسؤولين المصريين وترحيب القاهرة بجهود خادم الحرمين في هذا الإطار.
وينظر العالم باهتمام لنتائج جولة خادم الحرمين الشريفين العربية التي تأتي في إطار المشاورات التي يقوم بها الملك عبدالله بن عبدالعزيز مع القيادات العربية لخدمة القضايا العربية والإسلامية وللوصول إلى موقف عربي قادر على مواجهة التحديات والمستجدات، ولا شك أن هذه الجولة ستثمر عن نتائج مهمة يترقبها كل المهتمين بالشأن الإقليمي خاصة وأنها تسعى لمعالجة قضايا شائكة تتعلق بالصراع العربي الإسرائيلي والأوضاع في كل من فلسطين ولبنان وسوريا كما تتناول الملف الأهم الذي يتلق بالمصالحة العربية وتوحيد الصف في مواجهة التحديات الراهنة.