الجزيرة - الرياض :
أعربت الأهلي كابيتال، أكبر البنوك الاستثمارية بالمملكة، عن اعتقادها بأنه بالرغم من أن الأزمة العالمية شهدت تباينًا متزايدًا بين أداء النظم الاقتصادية المتقدمة والأخرى الناشئة، إلا أن أسعار الصرف لم يعاد تشكيلها بما يتماشى مع الأساسيات الاقتصادية المتغيرة، الأمر الذي تسبب في تأخر تصحيح موجة عدم التوازن التي بثتها الأزمة العالمية.
وفي عدد شهر يوليو من دورية الاقتصاد الخليجي التي تصدرها الأهلي كابيتال، يشير الدكتور يارمو كوتلاين، كبير الاقتصاديين بالشركة، إلى أن تاريخ نظام بريتون وودز لأسعار الصرف يقدم مثالاً مهمًا على الصعوبات التي تشكلها موجات عدم التوازن طويلة الأمد.
وبالرغم من أنه لا مفر من اتخاذ سياسات جادة لتحسين التقارب بين العملات والأساسيات الاقتصادية، يبدو واضحًا أن عملية التحسين هذه تسير ببطء، وذلك بسبب عدد من العناصر، يكمن أحدها في محدودية العملات التي تتمتع بمرونة حقيقية في نظام العملة العالمي، حيث تنحصر هذه العملات إلى حد كبير على الدول الصناعية الأعضاء بمنظمة التعاون والتنمية، التي يتشارك معظمها ذات المصاعب الهيكلية بدرجات متفاوتة.
في المقابل، معظم الأسواق الناشئة بشكل أو بآخر تتحكم بأسعار صرف عملاتها بشكل نشط.
وقرار الصين مؤخرًا بعدم الاستمرار في ربط عملتها بالدولار يُعدُّ خطوة في الاتجاه الصحيح، ولا يبدو بأنها ستؤثر بشكل كبير على ميزان المدفوعات على المدى القريب.
وبينما يمكن اعتبار أسعار الصرف الثابتة مصدرًا للاستقرار، فقد أسهمت هذه السياسة مع مرور الوقت بدرجة كبيرة في اختلالات التوازن العالمي. أما الهبوط الدوري الحالي فقد قاد إلى شيء من التحسن، وقد لا تزول المصاعب دون تدخل من صناع القرار.
وبالرغم من الضغوط العامة الرامية لإحداث إعادة تنسيق تدريجية بين أسواق العملات الغربية والأخرى الناشئة، يبدو أن منطقة الخليج ستكون المستفيد الأكبر من التزامها المستمر بربط عملاتها بالدولار الأمريكي.
لقد خدمت أسعار الصرف الثابتة المنطقة بشكل كبير، وتسهم الاعتمادية الكبيرة على صادرات النفط، إلى جانب محدودية أسواق المال الإقليمية في الحد من تغيير تلك السياسة في المدى القريب. وقد يتسبب أي إجراء غير منسق في هذا الخصوص بفقدان المكاسب التي تحققت من التكامل الاقتصادي الخليجي، وهذا يعني أن التحرك نحو سياسة نقدية أكثر استقلالية يجب أن يكون متوافقًا مع مشروع الوحدة النقدية الخليجية.
وفي حين أن هناك ضغوطًا تمارس لتعديل أسعار العملات، فإن تقلبات العملات العالمية الرئيسة مؤخرًا، إلى جانب الشكوك الاقتصادية المتصاعدة تشير إلى الحاجة لإصلاحات جوهرية للنظام المالي العالمي. وعلى ذلك أن يعكس بشكل أفضل التحولات الحادة في موازين قوى الاقتصاد في العالم، وكذلك الحاجة لاستقرار نقدي أكبر.
ويشير الدكتور كوتيلاين في هذا الصدد إلى «حالة عدم الاستقرار الاقتصادي المتزايدة طوال الأعوام القليلة الماضية عززت من قوة الأصوات المطالبة بنظام نقدي تقليدي.
معيار الذهب والأفكار المشابهة باتت أكثر جاذبية مرة أخرى نظرًا لكون الذهب يحد من قدرة الحكومات على تضخيم الأسعار عبر الإفراط في إصدار العملة الورقية، كما أنها ستخفض أيضًا الشكوك في التجارة الدولية عبر تقديم نمط ثابت من أسعار الصرف العالمية».
مع ذلك، من المرجح أن تفضل العديد من الحكومات، المثقلة بالاختلالات الاقتصادية الكبيرة، المرونة التي توفرها العملة الورقية في الوقت الراهن.
في نفس الوقت، يتوقف التنويع الفاعل للاحتياطيات العالمية على حقيقة أن العديد من عملات الدول الناشئة لا يتم تداولها على نطاق واسع.
ومن المحتمل أن يؤدي ذلك إلى التوجه نحو تنويع الاحتياطي تدريجيًا، ولكن على نحو واسع، بما في ذلك عملات الأسواق الناشئة، والسلع الرئيسة المتداولة.
وضمن هذه الأجواء العالمية من عدم اليقين، سيكون من مصلحة دول الخليج الاستمرار في الإستراتيجية النقدية الحالية المتبعة.
وتبدو البدائل - كالمثال السابق أو الربط بسلة من العملات أو التعويم المحكوم- غير قادرة على تقديم مزايا أفضل من السياسة النقدية الحالية. وقد استفادت المنطقة من ربط عملاتها بالدولار باعتباره مصدرًا للشفافية واستقرار الاقتصاد الكلي، ومساهمًا في إعادة الثقة للإعداد المتزايدة من المستثمرين الأجانب في المنطقة.
وتحت ضغط الانتقادات الحادة خلال فترة الازدهار التضخمية بين عامي 2007م و2008م، كان الربط بالدولار مصدرًا للاستقرار خلال فترة الأزمة الاقتصادية عبر ضمان مزيج من السياسات المتسقة والحوافز النقدية.
ومع ذلك، فإن تنامي المكانة الاقتصادية لدول الخليج وزيادة تنوعها سيحث مع مرور الوقت على اعتماد سياسة مالية أكثر استقلالية.
ويؤكد الدكتور كوتيلاين هنا «زيادة استقلالية السياسة المالية هو الهدف الذي يتوجب على دول المنطقة تحقيقه معًا ومن خلال مزيد من التكامل الاقتصادي.
وفي ظل هذه الظروف، فإن مشروع الاتحاد المالي الخليجي المقترح ما يزال يقدم الفرص الأكثر جاذبية للتوفيق بين هذين الهدفين».
ويختتم الدكتور: «يبقى ربط العملات بالدولار سياسة الصرف الأفضل والأكثر قبولية في الوقت الحالي.
مجرد فك الارتباط في غياب بديل أفضل قد يتسبب بتقلب متزايد، ويقوض بعض المكاسب الحالية التي تحققت في نطاق التكامل الاقتصادي الإقليمي».