لا أجد فرقاً البتَّة بين زواج المتعة عند السُنَّّة و(الموديلات) الجديدة من الزواج عند أهل السُنَّة والجماعة. زواج المسفار، والمبني على الزواج بنيَّة الطلاق المبَيَّتة سلفاً، هو ضرب من ضروب زواج المتعة، ودع عنك محاولات البعض التملص بتغيير المسمى؛ فالعبرة بالمضمون والمقصد وليس المسمى والشكليات. ولا يمكن لأحدنا أن ينتقد ما يُسمى بزواج المتعة عند الشيعة، في حين أنه يبيح الزواج بنية الطلاق عند السُنَّة. هذا وذاك وجهان لذات العملة؛ أي أنهما تشريعٌ للزنا، وتحايل لإشباع رغبات محرمة بطرق ملتوية.
بالله عليكم ما الفرق حين يشدُّ أحدهم الرحال إلى إندونيسيا، ويذهب إلى مكتب لتسويق (المربربات الحسان)، فيُؤتى له بشابَّة غضة، فيوقع عقد التمتع بها، وتقبض هي ثمن فراشها قبل أن يدخل عليها، وعندما ينتهي منها، ويشبع غريزته، يطلِّقها.. وبين من يذهب إلى بيت دعارة، ويختار، ثم يدفع، وعندما تنتهي (الشغلة) يذهب دونما (طلاق). أي أنَّ الفرق هنا وهناك (شكلي)؛ وهو ضرب من ضروب التحايل لتفادي حرمة الزنا؛ أما الحقيقة التي لا يمكن القفز عليها فهو زنا واضح مهما حاول المستفيدون التلاعب واللف والدوران. فالأصل في الزواج هو نية الاستمرار، و(الانفصال) هو الاستثناء، وهو أبغض الحلال عند الله، ومتى ما انعكست المعادلة - كما في زواج المسفار مثلاً - ليصبح الانفصال هو المبني عليه الزواج منذ البداية والاستمرار هو الاستثناء، فإن الزواج هنا يكون مبنياً على باطل وما بُني على باطل فهو باطل.
والزواج بقصد التمتع وتذوق النساء هو من الزواجات المعروفة في بلادنا، فقد عُرف عن بعض أصحاب الثروة أنه يلجأ إلى التعدد في حده الأقصى، وعندما يصل إلى أربع زوجات يطلق إحدى زوجاته حتى يتيح لنفسه فرصة ليتزوج من امرأة جديدة، وهو بهذه الطرق الملتوية يستغل مشروعية التعدد لإشباع رغباته ونزواته، وهذا الزواج في رأيي وجه آخر لزواج المتعة؛ فنية الطلاق في هذا النوع من الزيجات حاضرة وبقوة، والاستمرار هو الاستثناء وليس العكس. وقد روي عنه - صلى الله عليه وسلم - قوله: (لا أحب الذواقين والذواقات)؛ والذواقون والذواقات هم الذين يتزوجون بقصد التذوق وإشباع النزوة، وليس الاستمرار وبناء مؤسسة الزواج التي يفترض أن تكون طوال الحياة ولا تنتهي بوقت معين.
وكل من أباح الزواج بنية الطلاق اعتمد على توفر أركان وشروط الزواج الشكلية، وأغفل أن مثل هذه الزيجات تكتنفها من حيث المضمون (النية) المبيتة بالطلاق، فضلاً عما يكتنفها من حيث المنشأ من كذب وغش وخداع وتحايل وظلم محرم. أعرف أن هناك من علماء السلف من أباح الزواج بنية الطلاق؛ غير أن الواقع الذي نعيش فيه، وما ترتب عليه من ظواهر سلبية، جعل كثيراً من الفقهاء (المحققين)، الذين ينظرون إلى المآلات، ولا يتوقفون عند ظاهر النصوص يحرمه. يقول الشيخ محمد الصالح العثيمين - رحمه الله - في تحريم هذا الزواج ما نصه: (ثم إن هذا القول - أي القول بالجواز - قد يستغله ضعفاء الإيمان لأغراض سيئة، كما سمعنا أن بعض الناس صاروا يذهبون في العطلة -أي في الإجازة من الدروس- إلى بلاد أخرى ليتزوجوا فقط بنية الطلاق، وحُكي لي أن بعضهم يتزوج عدة زواجات في هذه الإجازة فقط، فكأنهم ذهبوا ليقضوا وطرهم الذي يشبه أن يكون زنى والعياذ بالله). وشيخنا هنا - رحمه الله - يضع إصبعه على الجرح.
إلى اللقاء.