لست أدري لماذا استغرب (البعض) من طريقة المواطن السعودي (التبوكي) - نسبة إلى تبوك - في إكرام صديقه العابر في منتصف المسافة بين مدينته والمدينة القادم منها حينما لم تتح ظروف الضيف أن يمر بمدينة تبوك التي يقطنها المضيف، كما علّق على الحادثة التي اعتبرها البعض (غريبة) الزميل محمد السحيمي في البرنامج اليومي المميّز والرائع صباح السعودية والذي أخذ يجذب أنظار الجمهور السعودي إليه، لدرجة أنّ صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبد العزيز - حفظه الله - قد أشاد بالبرنامج، حسبما صرح به الصديق الدكتور سعود المصيبيح، أقول لست أدري لماذا هذا الاستغراب من هذه الطريقة الحاتمية في الكرم، ولست أدري أيضاً كيف اعتبرها الزميل السحيمي نوعاً من المبالغة وعزا كرم العرب السابقين أنهم لا يملكون غير الإبل والغنم، ولذلك يقدمون لحومها للأضياف لأنهم لا يجدون غيرها من الطعام - انطلاقاً - وحسب مفهوم السحيمي من القول المأثور (الجود من الموجود)، لذلك لم يجد الزميل إياه سوى أن يعزو هذه الطريقة إلى الإسراف والمبالغة، ناسياً أنّ (الموجود اليوم هو الريال) والذي بمقدور أي مواطن أن يشتري به ما يريد لإكرام ضيفه مهما كانت منزلة ذلك الضيف، أي بمعنى آخر بمقدوره أن يشتري دجاجاً أو خروفاً أو قعوداً بل وحتى (ناقة بازل كوماء) عليها أطول من يدها من شحم السنام، حسب تعبير أهلنا البدو الكرام، ولكنه الكرم الحقيقي الأصيل النابع من الذات العربية الذي فعله المواطن (التبوكي) (كثر الله خيره وأمثاله أيضاً)، لاستمرار هذه المأثرة العربية الأصيلة، أي الكرم باعتباره أحد أشكال العادات والتقاليد والشيم النبيلة. وفي هذا الصدد أي مستغرب طرائق الكرم، أذكر أنني دُعيت إلى منطقة الجوف لإحياء أمسية شعرية بدعوة حميمة من نادي الجوف الأدبي، الذي أعتبره حقاً من أنشط أنديتنا الأدبية في المملكة، أقول وبعد الأمسية كان عليّ في اليوم التالي أن أذهب إلى (دومة الجندل) لرؤية آثارها، ومن ثم الغداء بدعوة من محافظها الكريم ودعوة أخرى على العشاء من قِبل الصديق الشاعر المبدع والمثقف العميق زياد السالم، ومن ثم المغادرة في صباح اليوم التالي حسب الحجز، أقول وحينها كان قد لحقنا إلى دومة الجندل الصديق خالد بن جلباخ الخضع، وهو حفيد عويضة الخضع - رحمه الله - والذي حقن دماء فرعي قبيلة عنزة الكبرى (بشر ومسلم) في (مناخ المضرع)، حيث التقى الجمعان الهائلان لتحدث مقتلة تاريخية عظمى لا تشبهها إلاّ حرب البسوس التي حدثت بين أجداد هذين الفرعين الوائليين (بكر وتغلب)، ولكن عويضة الخضع وبمبادرة شخصية منه ومن فارس آخر هو (ابن عرسات) قالا لزعيميْ الفرقتين المتأهبتين للاقتتال: حسناً فلتقتتلوا ولكننا نسأل أين تذهب (العنزيات) بعد هذه الحرب المخزية؟، وهنا عاد الصواب إلى (عقليْ) الزعيمين العنزيين المتأهبين للقتال وفكرا بالعاقبة وانسحب كل فريق لا يلوي على شيء، أقول حينما لحقني خالد الخضع قال لي كيف تمر بالجوف دون أن تسلم على أهلك (الروله؟!) فقلت له يا خالد ليس لدي مجال فإقلاع الطائرة مبكر ولا يسمح لي بهذا الشرف، فقال لي حسنا، إذن لا بأس لو تناولت فنجاناً من القهوة مع (الربع) ومن ثم حريتك معك، فقبلت على الفور الدعوة أنا والزملاء أعضاء النادي الأدبي وتوجّهنا إلى دار الخضع، وبعد تناول القهوة نهضنا لنودع الجماعة، ولكن مضيفنا الكريم خالد قال لنا حسناً هيا إلى تناول الفطور في (المقلّط) فقلنا حسناً سنتناوله بسرعة ومجاملة له، ولكن كم هالنا أنّ الفطور كان كبشين سمينين أحدهما مقطع والآخر (مفطح)، ولك أن تتخيّل الموقف لا سيما وأنّ الطائرة لم يبق على إقلاعها إلاّ نصف ساعة لا أكثر، وهنا قلت لخالد أهكذا يفعل المثقفون؟! فقال لي هكذا تقتضي العادات!!