Al Jazirah NewsPaper Thursday  29/07/2010 G Issue 13818
الخميس 17 شعبان 1431   العدد  13818
 

والدي الغالي.. أبشر بالخير

 

اليقين الذي لا شك فيه هو أن كل نفس ستموت وستجازى بما عملت في هذه الحياة، قال عز وجل: ?كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَما الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ? (185) سورة آل عمران} (185) سورة آل عمران.

والعمر مهما طال فإنه مجرد أيام معدودات إما أن تكون لك أو عليك قال صلى الله عليه وسلم: (خيركم من طال عمره وحسن عمله، وشركم من طال عمره وساء عمله) رواه أحمد والترمذي.

وهذه الحياة دار اختبار وابتلاء، والموفق هو من عمل ما يرضي خالقه ومولاه، والمحروم من أعرض واتبع هواه. وأهل الخير يحبهم الله ويحبهم الناس، وهذا من عاجل بشرى المسلم بإذن الله، كما أخبر بذلك الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم: (إن الله عز وجل إذا أحب عبداً دعا جبريل فقال: إني أحب فلاناً فأحبه، قال فيحبه جبريل ثم ينادي في السماء فيقول: إن الله يحب فلاناً فأحبوه فيحبه أهل السماء، قال: ثم يوضع له القبول في الأرض. وإذا أبغض عبداً دعا جبريل فيقول: إني أبغض فلاناً فأبغضه، قال فيبغضه جبريل ثم ينادي في أهل السماء إن الله يبغض فلاناً فأبغضوه، قال فيبغضونه، ثم توضع له البغضاء في الأرض) رواه مسلم. والناس هم شهود الله في أرضه، فمن شهدوا له بالخير فهو على خير وإلى خير إن شاء الله.

لقد شيعت جموع المصلين بعد صلاة الجمعة السابع والعشرين من شهر رجب لعام 1431هـ عميد الأسرة في ملهم والرياض والمنطقة الشرقية الوالد الفاضل الشيخ عبدالعزيز بن عبدالعزيز بن ناصر النغيمش رحمه الله بعد معاناة طويلة مع المرض، فنسأله تعالى أن يجعل ما أصابه رفعة في درجاته وتكفيراً عن ذنوبه وسيئاته، وقد شهد جنازته جمع كبير من ذوي العلم والفضل ومعارفه ومحبيه جزاهم الله خيراً وأجزل لهم المثوبة والأجر ولعلي في هذه الأسطر أذكر شيئاً من سيرته العطرة التي جعلته محبوباً ومذكوراً بالخير.

كان رحمه الله معلقاً قلبه بالمساجد حريصاً على أداء الصلاة في أول وقتها، ولذا عمل مؤذناً أكثر من عشرين عاماً ثم ترك الأذان مضطراً بعد انتقاله إلى منزل بعيد عن مسجده. وكان يأمر أبناءه صغيرهم وكبيرهم بالمبادرة للصلاة كل فرض ولا سيما لصلاة الفجر، تحقيقاً لقول الله عز وجل: ?وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاَةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا? (132) سورة طه. ومكانه بروضة المسجد معروف لا يتخلف عنه إلا لظرف قاهر وهذا من النادر، وإذا كان في السيارة تجده يسأل دوماً: هل دخل وقت الصلاة؟ فإذا سمع الأذان أمر بالتوقف عند أقرب مسجد، فإذا صلى حمد الله وغمره شعور بالراحة والاطمئنان. وكان يتأثر كثيراً عند سماع المواعظ وتذرف عيناه الدموع دون تكلف، بل ربما حدثك ببعض القصص والأخبار فلا يتمالك نفسه وتخنقه العبرات رغم تجلده وصبره. وكثيراً ما رأيت عينيه تدمعان عندما كنت أقرأ عليه وصايا آبائه وأجداده فيترحم عليهم ويتحشرج صوته ويكفكف دموعه حزناً وأسى. ومما لمسته عن قرب تطبيقه لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يا أيها الناس أفشوا السلام، وأطعموا الطعام، وصلوا الأرحام، وصلوا بالليل والناس نيام، تدخلوا الجنة بسلام) صححه الألباني، فكان رحمه الله يفشي السلام على من عرف ومن لم يعرف، ويدعو كل من رآه للضيافة ويجد سعادة في إكرامه، وكان واصلاً لرحمه يتفقد أحوالهم، ويعود المرضى ويواسيهم، ويشيع الموتى ويحضر دفنهم ويعزي ذويهم ويقوم من الليل ويصلي ما شاء الله، ويحرص على أداء صلاة الضحى وصيام النوافل ومما اشتهر به تواضعه وحلاوة حديثه ومؤانسة جلاّسه بأجمل القصص والروايات، وإمتاع أسماعهم بأخبار الأولين وطرائفهم وأشعارهم. ولذا كان زملاؤه بالعمل يحرصون على اصطحابهم له في رحلات البر والنزهة ويستجيب لطلبهم بكل رحابة صدر، لم يحمل في صدره الحقد على أحد بل كان محباً للجميع خفيف النفس بشكل عجيب، لا يأمر أحداً بشيء وإنما يبادر هو بإنجاز العمل بنفسه مهما كان متعباً، وكم خجلنا من أنفسنا كثيراً عندما نراه وهو في هذه السن يخدم الصغير قبل الكبير بل يسابق الشباب في كثير من الأحيان.

ولذا كان الحجاج يحرصون على اصطحابه معهم سنوات عديدة وذلك لما رأوا من كرم نفسه وسمو أخلاقه فهو من المبادرين دوماً إلى تجهيز الأمتعة وحملها، ونصب الخيام ورفعها، وإعداد القهوة وسقاية الماء، وتجهيز وجبات الغداء والعشاء دون كلل أو ملل.

وختاماً فإن الوالد رحمه الله وإن كان أمياً لا يعرف القراءة والكتابة إلا أنه كان مدرسة في الأخلاق ومعاملة الناس، وقد شهدت بصدق ذلك أفعاله ومآثره، وما ذكره عنه محبوه في حياته وبعد مماته.

وكانت في حياتك لي عظات

وأنت اليوم أوعظ منك حياً

كان رحمه الله طويل الجسم، خفيف اللحم، مشرق الوجه، لا تكاد تفارقه الابتسامة، عفّ اللسان، سليم القلب، قانعاً بما رزقه الله، نائياً بنفسه عما لا يعنيه، محباً لكل الناس ولأهل الخير خاصة، له همة عالية وقوة صبر واحتمال لا توصف، وكان لسانه على فراش مرضه وفي آخر أيام حياته رطباً بذكر الله عز وجل واستمر على ذلك حتى وافاه الأجل.

نسأل الله العظيم بمنّه وكرمه أن يغفر له ولوالديه، وأن يكرم نزله، ويوسّع مدخله، ويغسله بالماء والثلج والبرد، وأن يجمعنا به وبوالدتي رحمها الله ومن نحب في الفردوس الأعلى من الجنة. وأن يغفر لجميع المسلمين الأحياء منهم والميتين إنه سميع مجيب.

ابنك المحب - أحمد بن عبدالعزيز النغيمش

 


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد