خليجنا العربي هذا الغافي في قلوبنا نحافظ عليه بين أحداقنا يضم أوطاننا ورفات أهلنا، ثم يأتي من يأتي اليوم ويقول انه ليس لنا ويركّب عليه اسماً آخر لا يتفق مع مسارات التاريخ ولا مع دماء أجدادنا الذين دافعوا عنه وحموه بصدورهم من أطماع الغزاة من برتغاليين وفرس وعجم وغيرهم..
ويأتي شيخنا عبد الرحمن بن عثمان الملا ليثبت عروبة هذا الخليج بمياهه الزرقاء وناسه الأفذاذ وجميع خلجانه ونخله وأوديته وشمسه التي تحرق الأعداء. إننا ندرك جميعا خطورة هذه المرحلة التي يمر بها هذا الوطن الغالي المسمى الخليج العربي، خاصة بعد أن تملك أعداؤه مفاتيح ذلك السلاح الرهيب، فنفخ الشيطان في أنوفهم هم ومن يحالفهم من بني جلدتنا مع الأسف ولكن الله معنا ومع الحق، إننا نطلب الحياة والعزة والكرامة ولا نريد الموت والظلامية كما يسعون لها هم أولئك الصغار من حولهم.
وحديثنا اليوم عن هذا الكتاب الذي يثبت أن (الخليج العربي كان له دور مميز في صنع الحياة الحضارية المعاصرة ومدها بأسباب البقاء والازدهار منذ الربع الأول للقرن الرابع عشر الهجري حيث سال من قاعه وعلى ضفافه الذهب الأسود فسال له لعاب الطامعين من طلاب المال وعاشقي الثروات)، ويستدرك الكاتب أن الخليج كان ذا شهرة قبل ذلك في صياغة الحضارة الإنسانية حين كانت مياهه مسرح عناق حضارات الشرق القديم وشواطئه زهرتها، والكاتب بذلك يقول إن الكتاب محاولة لنفض غبار النسيان عن تلك الحقبة، الكتاب أيضاً يعالج الكثير بفصوله الثلاثة الخصائص الفريدة للخليج العربي الذي يؤكده هذا البحث الذي جاء في وقته إنه عربي وليس فارسي!
الفصل الأول يتناول الطبيعة الجغرافية والحياة البشرية وموقع الخليج وصفاته والتركيب الجيولوجي والسواحل والجزر وأسماء الخليج والهجرات والسكان.
أما الفصل الثاني فيبحر من خلاله الكاتب داخل الثروات الطبيعية والنشاط الاقتصادي في الخليج والزراعة والثروة الحيوانية والصيد البحري والغوص على اللؤلؤ والصناعة.
أما الفصل الثالث فقد خصص للحياة الحضارية في الخليج والحضارة الدلمونية والحضارة الجرهانية والنظرة العامة في الأحوال السياسية في الخليج في القرون الثلاثة السابقة لظهور الإسلام.
كما تضمن الكتاب جدولاً للعصور التاريخية وعن عصور السلالات وكذلك صورا أثرية لحضارات المنطقة، الكتاب يعتبر بحثا وتنويرا جيدا لحضارة منطقة الخليج، يستدل بالكثير من المراجع والكتب التي تناولت الحقبة التاريخية لهذه المنطقة العامرة بالعمل الحضاري الفاعل والواضح في حياة الإنسان في هذا الجزء من العالم.
يقول المؤلف الشيخ عبد الرحمن الملا: تنسب تسمية الخليج هذه إلى الاسكندر وكان يطلق على البلاد التي تقع في الجنوب الغربي وتمتد إلى الخليج العربي، وقد كان سكان الخليج وغيرهم من الأمم القديمة المجاورة التي لها علاقة معهم كالسومريين والأكاديين والبابليين والآشوريين يدعونه البحر الأسفل أو البحر الأدنى في مقابل البحر الأعلى وهو البحر الأبيض المتوسط اليوم، ولم يرد اسم الخليج في الكتابات الفارسية لذلك لا نعرف ماذا كان يسمي عندهم في المصادر الفارسية القديمة، وعلى الرغم من أن الأوربيين تغلبوا هم والفرس على بعض أجزاء الخليج إلا أنه ظل بصبغته العربية، فقد زاره الرحالة الدنماركي (كارتن نيبور) في عام 1765م وقال إن الخليج المذكور عربي بشاطئيه وان جميع البلدان الواقعة على ساحليه عربية لحما ودما، وان جميع سكانها من العرب يتكلمون العربية وحكامهم بلا استثناء عرب، وكأن بعض العرب رغبوا في الخروج من جدلية الاسم وما يترتب عليه من حساسيات فسموه الخليج فقط بلا وصف ولا إضافة، وقد شملت في وقت لاحق التسمية أرض الشاطئ الغربي والجزر المقابلة له من البصرة شمالاً إلى عمان جنوبا والدهناء غربا أسماء منها: هجر والبحرين والأحساء، وكان كل من هذه الأسماء في الأصل اسما لمدينة اتسع مدلول اسمها إبان شهرتها فشمل الإقليم كله وصار علما عليه ثم تغير مدلول هذه الأسماء فأطلق البحرين على جزيرة أو ال (دولة البحرين حاليا)، واقتصر اسم الأحساء على ما يعرف الآن بالمنطقة الشرقية من المملكة العربية السعودية وصارت هجر اسما تراثيا ليس له وجود في غير الأعمال الأدبية، وتوحي هذه الأسماء في تصوري بما تمتاز به هذه الأراضي من الخصب ووفرة المياه وأسباب نمو الحياة ورخائها، فهجر تعني فيما تعنيه البلد الذي يؤوى إليه لطلب الميرة والزاد والأحساء جمع حسي وهو الماء القريب من وجه الأرض، وفي سبب جعل البحرين علما على هذه الجهات عدة أقوال لعل أهمها: تدفق المياه العذبة من الينابيع الموجودة حول شواطئها وفي واحاتها وفي قاع الخليج ذاته تحت الماء المالح الأجاج المعروفة عند البحارة باسم (القصاصير)، مما يذكرنا بقول الحق سبحانه(وَمَا يَسْتَوِي الْبَحْرَانِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ سَائِغٌ شَرَابُهُ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَمِن كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ فِيهِ مَوَاخِرَ لِتَبْتَغُوا مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) (12) سورة فاطر.
الهجرات والسكان
تفيد نتائج الأبحاث الأثرية بأن شرقي الجزيرة العربية والأراضي الأخرى المطلة على الخليج كانت من اقدم الأراضي التي عرفتها حياة الاستيطان البشري منذ أقدم العصور، وأنها كانت مأهولة بالسكان منذ خمسين ألف سنة خلت، ويؤكد التاريخ المدون لهذه المنطقة على حد قول السير ولسون منذ نحو سبعة آلاف سنة.
أسماء الخليج
أطلقت النصوص السومرية على الخليج أسماء كثيرة منها أرض البحر الجنوبي، البحر التحتاني، البحر المر، البحر الذي تشرق منه الشمس.. ويقول المؤلف حظي الخليج في هذا المجال بسمات وخصائص جغرافية دون سائر البحار، فهو بحكم موقعه في قلب العالم القديم يمثل همزة بين الهلال الخصيب وهضبة بلاد العرب، فكان قنطرة مهمة بين قارتي آسيا والقارة الأوروبية من جهة أخرى، ونمت هذه الظاهرة الجغرافية المحورية الخليج العربي وما حفلت به صفحات التاريخ من أحداث جسام. أما أهمية الخليج الأخرى فهو الاقتصاد فهو الطريق المباشر لمصادر التجارة الشرقية حتى عرف الشرق السحري الذي هفت إليه قلوب عشاق المال وصانعي الأمم.
ويقول الأستاذ الملا: (إن هذا الموقع المتميز للخليج وما ضم في أحشائه من ثروات هائلة جعلته من أهم وأقدم مواطن الاستيطان البشري، فقد شهد في أولى مراحله كما كان مهدا لميلاد العديد من الإنجازات للإنسان في مسيرته نحو التطور والارتقاء، فإلى سكان منطقة الخليج ينسب الكثير من الإسهامات الرائدة في الإنجازات الحضارية، فهم أول من ركب العباب وغاص على اللؤلؤ وعمل في الاتجار به، كما كانوا في طلب الكثير من الحيوانات والنباتات ومن بينها الجمال وبعض الحبوب، وكان لهم الريادة في غرس النخيل. وأوضح البحث للنسيج السكاني لمنطقة الخليج كيف شكلت العناصر العربية سداه، فمنطقة الخليج تمثل الجزء الشرقي للجزيرة العربية التي كانت عبر تاريخها مركزاً للهجرات البشرية التي تغذي ما جاورها من المناطق، فقد أحاطت القبائل العربية بالخليج إحاطة السوار بالمعصم، فأحكمت قبضتها على نوافذه وسير الملاحة فيه ورسمت خريطته البشرية والاقتصادية والسياسية، فكانت سيادة الطابع لها على معالم الخليج.
وفي النهاية إن ما تحدثت عنه كتيب ثمين على الرغم من قلة صفحاته، وقد صدر عن نادي الأحساء الأدبي مع بداية هذا العام 1431هـ، وهو يستحق القراءة.