لعل التقنية وهي تفرض نفسها موضوعا للفنون المعاصرة يسعى في عمقه للتمازج مع زمن وطموح عصره في مواكبة حثيثة.. لابد وأنها تفرض نوعا من السيطرة القصوى على التطلعات المستقبلية للفن. ذلك أن التقنية في تطورها العلمي وبالنظر إليها كوسط يضمن كمًّا من «التواصلية والتفاعل» لا يقدمها غيره تنساق بقوة في معالم الرموز التصويرية والتشخيصية اللازمة لفلسفة الفن المعاصر بما يسمح لمساحات إبداعية لتتطور في كل لحظة مع الجديد العلمي التقني الذي يقدمه الفن المعاصر اليوم كمقترح لمادة فنية مثالية في تطورها وتعبيراتها لتكون إطارا يرى الفنان من خلاله العالم.. بل وربما يرى العالم بداخله.. أو يرزح تحته!.
لعل موضوع التقنية يفرض مكونا أساسيا للحديث عن التفاعلية التي تميز إبداعها..وحيث إن التقنية غير معبرة بذاتها ولا يأتي موضوعها من عمقها فإن الموضوعات التي يفرضها الفن لحصر هذه التفاعلية تعد تجربة فنية كبرى يتشارك فيها الجميع ضمن صيغة ثابتة تشكل سياق الوعي الذي ينشده الفنان من عمله. إن تحطيم السياق الذي تأتي فيه التقنية في العادة والعمل على إنتاج تجربة فنية منها تعكس المزاج الفني المعاصر بالضرورة، حيث الهدف من العمل أو موضوعه هو الاعتراف بوجوده، إنما إطار حريته المتاحة للتجريب فمفتوحة.
إن الدعوة إلى إيقاع تفاعلي في الفنون يعتمد على التأثيرات التي يفرضها العمل وهو يبتعد عمدا عما يقود لتجربة تلقي كلاسيكية حيث الهدف إعطاء العمل حياة ووعيا يتشكل عبر أشكال لا تستقر إنما تتناغم مع حركات وردات أفعال المتلقين حيث تصير القضية البصرية الأولى من صنع الجمهور الذي يكونون فيه جزءا مثاليا من العمل يمثل عنصر الحركة أو العنصر المرادف للكونية أو الإنسانية في دورها الديناميكي والمرن متعدد الاحتمالات..إذ وكلما زادت الاحتمالات زاد هذا من عمق العمل والفكرة التي يطرحها.
إن الحرية التي يفرضها هذا النوع من الفنون في التفاعل بين المتلقي والحدث الفني لابد يخلق حوارا ضمنيا يحتوي دهشة الاكتشاف ودوافعه وطرق تستمر في خلق نضوج تجربة التلقي بل وربما تجعل من هذا النضوج دافعا للقصة الإبداعية لتنهض عن زمانها فتصير في زمن الآخر فيما وراء الفكرة المخطط لها حيث يكون التجريب حقا جماعيا وديمقراطيا عاما.
إن التفاعلية في أشكالها التركيبية تستوعب المشاهد بطريقة تسمح للفن بإنجاز غرضه. حيث تنجز بعض التجهيزات من خلال السماح للمشاهد بالمشي ضمن التجهيز أو حوله، مع خلق بيئة من المحسسات الرادة على الحركة والحواسيب المستشعرة للحركة للرد على مقترحات الجمهور وتفاعليتهم يدخل ضمن هذا أحيانا تغيرات في الحرارة أو الحالة الجوية أو أنواع أخرى من رداءة الأفعال التي تمت برمجة العمل عليها. بحيث يكون تأثير الجمهور هو التأثير في سير الأداء العام للعمل أو المشاركة فيه.
يمكن تمييز الفن التفاعلي عن الفن الإلكتروني أو الفن الافتراضي في أن الفن التفاعلي يشكل حوارا بين الفن والمشارك «المتلقي المتفاعل» حيث المشارك لديه مساحة من الإمكانات ليتصرف بناء عليها ضمن سياق القطعة أو التجهيز الفني باعتباره بيئة متجاوبة. من هذا ما حدث في الـ 10-15 عاما الأخيرة من توجه عدد من المهندسين المعماريين والمصممين لخلق بيئات من هذا النوع متعاونين مع فنانين إلكترونيين لخلق نوع من التطويرات للحصول على انتباه ومشاركة المتلقين.
من المتاحف الرائدة في احتواء الفنون التفاعلية حد تثبيتها على واجهاتها يعتبر المتحف الوطني البريطاني ومتحف التيت ومتحف فيكتوريا وألبرت ومتحف العلوم في لندن من أبرز المهتمين المبكرين جدا لمجال التقنيات التفاعلية.