يميز النحوين بين ثلاثة أشكال للألف: الزائدة كما في الفعل (يجالس) والاسم (جبال)، والمنقلبة عن أصل مثل المنقلبة عن الياء في (باع) أو الواو في (قال) أو الهمزة في (آثار)، والأصلية التي مثّل لها ابن جني في قوله «وذلك في عامة الحروف التي تقع الألف في آخرها نحو ما ولا ويا وهيا وألا وحتى وكلا فهذه الألفات وما يجري مجراها أبدًا أصول غير زوائد ولا منقلبة «(سر صناعة الإعراب،2: 653)، والأمر الذي أجاء النحويون إلى تصنيفهم هذا عدّهم الألف حرفًا لا حركة منذ اقتصروا على ثلاث الحركات القصار (الفتحة، والضمة، والكسرة)، وأما المدود التي هي حركات أيضًا رأوها حروفًا وظنوا أنها تسبق بالحركة وأنها تكون ساكنة. وكنت فصّلت القول في أمر الألف في كتابي (الإبدال إلى الهمزة وأحرف العلة) مستفيدًا من نظرية داود عبده أن الزائدة إنما هي همزة في الأصل حذفت ثم مطلت الفتحة السابقتها، ومن نظرية جواد الدخيّل أن المنقلبة ناتجة من حذف العلة ومطل الحركة السابقتها، وبهذا تكون الزائدة والمنقلبة شكلا واحدًا وهو أنها فتحة ممطولة لتعويض محذوف. وأما الألف الأصلية فحاول ابن جني الاحتجاج لأصالتها وأنها ليست زائدة في قوله «والذي يدل على أنها ليست بزوائد أن الزيادة ضرب من التصرف في الكلمة وجزء من الاشتقاق فيها، وهذه الحروف كلها غير متصرفة ولا مشتقة، فيجب أن تكون ألفاتها غير زائدة، ألا ترى أنك لا تجد لحتى وكلا اشتقاقا تفقد فيه ألفهما كما تجد لضارب وقاتل ومعزى وأرطى اشتقاقا تفقد فيه ألفهما وهوضرب وقتل ومعز ومأروط، فلما لم تكن الحروف متصرفة ولا مشتقة بطل أن يُقضى بزيادة ألفاتها»(سر صناعة الإعراب،2: 653-654)، وهذه الحجة غير مقنعة؛ إذ الصرفيّون أنفسهم أثبتوا من المزيد ما لا مجرد له فالواو من (كوكب) عدّت زائدة ولا مجرد يثبت زيادتها، بل من الأفعال ما جاء على بناء مزيد لا مجرد له وهو البناء (افْعَوَّلَ) الذي منه (اجلوّذ، واعلوّط) فليس للفعلين مجرد، ولكننا نوافق ابن جني في أنها غير زائدة؛ لأنه لا حقيقة للألف الزائدة. ويحتج ابن جني لأصالتها وأنها ليست منقلبة في قوله «ويفسد أيضًا أن تكون بدلاً من نحو الوجه الذي فسد منه أن تكون زائدة؛ وذلك أن البدل أيضا ضرب من التصرف، ألا ترى أنك لا تجد لألف ما ولا وحتى وكلا أصلا في ياء ولا واو كما تجد لألف غزا ودعا وسعى ورمى أصلا في الياء والواو لقولك غزوت ودعوت وسعيت ورميت، فكما بطل أن تكون الألف فيها زائدة بطل أيضًا أن تكون بدلاً» (سر صناعة الإعراب،2: 654) وهذه الحجة غير مقنعة أيضًا؛ إذ هذه الحروف قديمة الاستعمال في العربية، وجمدت على بنيتها التي تحولت إليها منذ صارت أدوات، ففارقت دلالتها التي منها جاءت وبنيتها التي منها انحدرت، وهذه الحجة لا تفسر كيف تصير ألفا (على، وإلى) ياءً في (عليهم، إليهم)، بل الذي يفسر ذلك أن الألفين فيهما كالألفات في (غزا ودعا وسعى ورمى) ناتجتين من حذف العلة ومطل الحركة، فالأصل في (على، إلى) هو (علي، إلي) بالمثناة من تحت، وهما استعملا مع الضمائر حسب الأصل فيهما؛ لأنهما بهذا الإلصاق سلمتا من التطرف المؤدي لحذف العلة الساكنة (الياء). واحتج ابن جني لأصالة الألف وأنها غير مبدلة في قوله «ودليل آخر على فساد كونها بدلا وجودك الألف في نحو ما ولا، فلو كانت الألف في نحو ذلك بدلا لم تخل من أن تكون بدلا من ياء أو واو، فلو كانت بدلا من الياء لوجب أن تقول في ما ولا مي ولي كما قالوا أي وكي، ولو كانت بدلا من الواو لوجب أن تقول مو ولو كما قلت أو ولو، ألا ترى أن الياء والواو إنما تقلبان إذا وقعتا طرفين متى تحركتا فإذا سكنتا لم يجب قلبهما، وأواخر الحروف أبدًا ساكنة إلا أن يلتقي ساكنان ولا ساكنين في نحو ما ولا كما أنه لا ساكنين في نحو قد وهل». وهذه حجة مبنية على مصادرتين مُتوقف فيهما: إحداهما كون آخر الحرف ساكنًا أبدًا، والأخرى توهم كون الألف حرفًا ساكنًا، ومعروف أنّ الحروف المفردة متحركة، أما الألف فهو حركة، والعجب قوله «لو كانت بدلا من الواو لوجب أن تقول مو»؛ لأنها حينئذ ليست بدلا منها. وإن كنا نوافق ابن جني في أنها ليست بدلاً من واو أو ياء فإنا نرى تلك الألف نتيجة حذف همزة ومطل الفتحة السابقتها، ولعل مما يستأنس به عودة الهمزة في نطق بعض العامة (لأ)، وقد تختم مشددة مفتوحة بهاء السكت (لأَّه) وقد تحذف الهاء وتمطل الفتحة (لئّا، وقد تحقق في صعيد مصر فيقال (لع). والذي ننتهي إليه أن الألف حركة طويلة لا توصف بزيادة أو قلب أو أصالة؛ بل هي نتيجة مطل للفتحة القصيرة بعد حذف صامت (حرف). وهكذا سائر المدود.