حاجة الفرد البشري الواحد من المياه لجميع الأغراض الزراعية والصناعية والبلدية، تبلغ في المجتمعات الحضرية الحديثة (1500 متر مكعب) في العام الواحد. إذا حوّلت الرقم إلى الوحدة الأصغر (لتر)، ستجد أمامك هذا الرقم (1500000 لتر) - أي مليون ونصف مليون لتر من المياه. بهذه المواصفات والحسابات نحن لا نصلح جغرافياً لأن نكون بلداً زراعياً، لأنّ 80% من الكمية المائية المحسوبة أعلاه تستهلكها الزراعة لوحدها. هل يعني ذلك أن لا نزرع شيئاً على الإطلاق؟. بالطبع لا، فالأمة التي لا تزرع شيئاً البتة تكون مرتهنةً بالكامل للطرف الذي يؤمّن لها الغذاء والأعلاف بشروطه التي تتغير حسب ظروفه. البلدان ذات الاقتصادات الزراعية ثلاثة أنواع، بلدان تزرع ما يكفيها وتصدّر الفائض، وبلدان تزرع ما يكفيها أو الجزء الأكبر ولا تصدّر شيئاً منه، وبلدان تزرع نسبة محدودة من احتياجاتها الزراعية ويتوجّب عليها استيراد الناقص منها بالمقايضة. نحن وأغلب الدول العربية نقع في المستوى الثالث حالياً، لكننا نخشى أن ننزلق خلال سنوات قليلة إلى مستوى أخطر من ذلك، مستوى الحاجة إلى استيراد المياه للحاجات المنزلية أو نموت عطشاً. السبب في توقّع ذلك هو نمونا السكاني المتسارع ووجود عشرة ملايين مقيم يستهلكون من المياه كحق شرعي من حقوقهم مثل ما نستهلك (إنْ لم يكن أكثر في غياب الرقابة)، وهدر بدائي غبي في التعامل مع المياه على جميع المستويات من فوق لتحت.
إنّ الاستزراع الكبير عندنا للأعلاف والاستثمار الضخم في تربية الحيونات اللاّبنة واللاّحمة، وتصدير المياه والألبان إلى الخارج، كل ذلك أو أغلبه يتم في مناطق صحراوية جافة في شمال ووسط المملكة، وبواسطة النزف المجحف للمياه الجوفية السحيقة، ولا أدري أين التخطيط والعقل في ذلك. علينا أن نطبق في سياسات استزراع الأراضي تراثنا القديم، أي محاصيل صحراوية متكيفة جينياً للصحراء، ومحاصيل ساحلية موسمية للسواحل، ومحاصيل المدرجات الجبلية التقليدية للمناطق الجبلية، إلى آخر ما في الإمكانيات الزراعية المتكيفة وراثياً وجغرافيا والتي أجهلها ومن المفترض أن يعرفها المتخصصون.
إذاً مادامت الزراعة تستهلك 80% من المياه فلنتركها كلها لسياسات الدولة والقائمين على المسؤولية الزراعية والغذائية فيها، ولننظر في استهلاكنا اليومي الإجباري الحيوي من المياه للاستعمالات البلدية، وليكن ذلك على شكل واجبات حسابية بسيطة.
السؤال الأول: احسب يا شاطر واحسبي يا شاطرة: إذا كان استهلاك الفرد في المملكة العربية السعودية من المياه يبلغ في المتوسط 300 لتر يومياً، وعدد السكان ( مواطنين ومقيمين ) هو 35 مليون نسمة حسب الإحصاء الجديد، فكم يكون الاستهلاك اليومي من المياه في مملكتنا الصحراوية الحبيبة؟.
السؤال الثاني: إذا كان عدد المقيمين في المملكة عشرة ملايين فرد (غير المقيمين الأشباح)، ويستهلك الفرد الواحد منهم مثل ما يستهلكه المواطن كحق شرعي له، فكم يكون استهلاك العشرة ملايين مقيم في اليوم الواحد من المياه، على افتراض حسن النية وانتفاء نية الإضرار المتعمّد في غياب الرقيب في المطابخ ومغاسل الملابس ومحطات غسيل السيارات ... إلخ؟.
السؤال الثالث: إذا افترضنا أنّ كمية الثلاثمئة لتر اليومية للفرد هي الكمية الفعلية بناءً على ما يحسبه عداد البلدية من الداخل المائي، وعلمت أنّ الفاقد في الطريق من المواسير المعطوبة والمضروبة يقع في حدود 40%، فكم يكون المقدار المفقود من المياه بالألتار يومياً؟.
السؤال الرابع: إذا علمت أنّ هناك مسطحات خضراء للزينة شاسعة ومكشوفة للشمس والهواء، ومسابح كبيرة تطفح بالمياه من أقصاها إلى أقصاها، ومكشوفة أيضاً للشمس والهواء في الصيف والشتاء ولا يسبح فيها أحد أكثر من عدد الأصابع في السنة الواحدة، فكم تقدّر بجهدك الذهني الهدر المائي بهذه الطريقة؟.
ثمة أسئلة كثيرة متبقية، لكنني أشفق عليكم من الإجهاد، لأنني أعرف نفور طباعكم من الحسابات الدقيقة ومشاكلها، علاوة على أنني بدأت أعطش لما سبّبته لي هذه الأسئلة من نشوف الريق وتصبب العرق. إذاً عن إذنكم سوف أبل ريقي بشربة ماء وأنتم عليكم لو سمحتم إرسال الأجوبة أو التفكير فيها على الأقل وشكراً.