سادت موجة من الخوف والذعر بين الناس وهم يتابعون أخبار السحب البركانية (الرماد البركاني) الناتجة عن انفجار بركان أيسلندا في يوم 17 من إبريل 2010م، التي وصلت إلى الأجواء التركية، وعبرت بدخانها من قارة أوروبا إلى تركيا، وعطلت حركة الطيران العالمية، وألحقت به خسائر كبيرة.أما بالنسبة إلى المملكة والنشاط البركاني فيها، التي كانت مكاناً لعمليات بركنه قديمة، فسنعود تاريخيا إلى مقال نشر في جريدة الجزيرة بتاريخ 23 من ربيع الأول الموافق 20 مارس 2009م، ذكرت فيه أن آخر بركان ظهر في المدينة المنورة قبل 700 سنة فقط سبقه زلزال شديد. وتحدثت عن أمور كثيرة يجب الإلمام بها في حالة حدوث بركان في بلادنا، وبعد شهر من كتابة المقال في يوم 22 من إبريل 2009م بدأت تضرب محافظة العيص غرب حرة الشاقة عدد من الهزات الأرضية مصاحبة لتحركات الصهير في باطن الأرض.وفي موضوع سابق بعنوان (ماذا يمكن أن تعمله قبل وأثناء وبعد حدوث زلزال - لا قدر الله) نشر في جريدة الجزيرة أيضاً بتاريخ 6-3-2008م، ذكرت فيه أن الجزيرة العربية - والحمد لله - أغلبها مستقر تكتونياً، وحدوث الزلازل والبراكين فيها نادر جداً في الوقت الحاضر؛ لأننا لسنا في منطقة ضغط مثل إيران أو تركيا، وإنما نحن في منطقة شد مثل منطقة أيسلندا، وأن البراكين هناك تنتج في شقوق شد.
وأحد المبادئ الجيولوجية يقول: (إن دراسة الحاضر مفتاح لدراسة الماضي)؛ وذلك لمعرفة جغرافية وبيئة ومناخ الأرض قديما على مر العصور، كما أن العوامل المسؤولة عن حدوث التغيرات المناخية في الوقت الحالي هي نفسها العوامل المسؤولة عن حدوث التغيرات المناخية في العصور الجيولوجية القديمة.ومن المعروف أن الجزء الغربي من شبه الجزيرة العربية يسمى الدرع العربي، الذي يعتبر من أكبر الأقاليم البازلتية في العالم، التي تغطي مساحة تبلغ على الأقل 35000 كيلومتر مربع من المرتفعات الجنوبية العربية لليمن حتى حوران لجبل الدروز، ومن هناك تمتد عبر شرق الأردن إلى المملكة، حيث تعرف بالحرة، ويوجد على الدرع 12 حرة مبعثرة على طول الساحل الشرقي للبحر الأحمر وعلى المرتفعات الغربية للجزيرة العربية، مثل حرة رهط بين مكة والمدينة ومساحتها 152000 كم مربع، وبها المئات من البراكين الخامدة تتراوح أعمارها بين 29 و18 مليون سنة، وبين 12 و 1 مليون سنة، وقديما في البداية خرج (الصهير) من شقوق، وساهم أحدها في تكوين أخدود أو خفس أو شق البحر الأحمر، ولاحقا التحمت تلك الشقوق، وتكون عليها المئات من المخاريط والفوهات البركانية التي كان الصهير يخرج منها لاحقاً.
كما يبين المؤرخون حدوث زلازل وبراكين، كان أحدها في عام 1256م (منذ 754 سنة)
حيث حدث زلزال شديد بالقرب من المدينة المنورة، تلاه انفجار بركان المدينة (الحرة الشرقية) والهزات استمرت بمعدل 10 هزات يومياً لمدة 5 - 6 أيام. وفي سنة 1326هـ انفجر البركان ودامت ثورته 52 يوماً؛ ما يعني أنه ربما نتعرض لمثل ذلك الحدث في المستقبل - لا قدر الله، والله أعلم.
وحديثاً تجدد نشاط بركان على جزيرة جبل الطير اليمنية في البحر الأحمر بتاريخ 4-10-2007م، وقذف بالحمم البركانية بقوة. تلك الجزيرة تبعد مائة كيلومتر شمال غرب مدينة الحديدة فيما يسمى خاصرة البحر الأحمر، وللعلم شهدت الجزيرة فورات بركانية في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر.
ولا تستغربون أن ما يحدث في العالم من ثورات بركانية قد يحدث في بلادنا في أي وقت مستقبلاً، خاصة أن البراكين لا يمكن تحديد أوقات تصاعدها أو تقدير مدة انتهائها.
وللعلم فالبركان ليس مثل أغلب الجبال، فالبراكين بنيت نتيجة تجمع نواتجها المتخرجة من باطن الأرض، وعندما يصبح الضغط من الغازات في
داخل الصخور الذائبة في
باطن الأرض عظيماً جداً يحدث الثوران البركاني، خاصة إذا وجد منطقة ضعف خلال طبقات الأرض.
والثوران البركاني يمكن أن يكون هادئاً أو قوياً ومتفجراً، والصهارة الناتجة ذات حرارة شديدة تسيل وتتدفق، وتُحدث تسطيحا للتضاريس، كما قد تدمر كل شيء في طريقها، لكن أغلبها يتحرك ببطء شديد يكفي الناس للابتعاد عن طريقها، كما قد يُنتج البركان غازات سامة وصخورا ورمادا بركانيا متطايرا مثلما يحدث في أيسلندا حالياً، والرماد البركاني يمكن أن يسبب ضررا للرئة عند الأطفال الصغار وكبار السن ولمن يعانون أمراض الحساسية والتنفس والربو، بجانب أنه يتلف الآلات مثل المكائن والأجهزة الكهربائية، ومكائن الطائرات، كما أن اختلاط الرماد البركاني مع الماء يجعله ثقيلاً ويسبب تداعي السقوف.والرماد البركاني يؤثر على الكثير من البشر الذين يبعدون مئات الكيلومترات عن مخروط البركان، ويمكن أن ينتج عن بعض البراكين ثوران وانفجارات جانبية تقذف بالحمم جانبياً بسرعة عالية لكيلومترات عدة، وقد تقتل عند اصطدامها.والثوران البركاني يمكن أن يصاحبه أخطار طبيعية أخرى مثل الزلازل، وتدفق الرواسب الطينية، وتساقط الصخور والانزلاقات الصخرية، والمطر الحمضي، والحرائق..
وبعض البراكين الخامدة يتجدد نشاطها، خاصة أن هناك علاقة تكتونية وديناميكية بين الصفائح، وأن ديناميكية الأرض (الحركات الباطنية من شد وانضغاط) هي المسبب لكل ما نراه على السطح من حدوث زلازل وبراكين وتشكل للسلاسل الجبلية والوديان والمنخفضات.
فمثلاً عند ثوران بركان أيسلندا الحديث ضربت زلازل بسيطة منطقة العيص في المملكة العربية السعودية، بجانب حدوث زلزال في الصين واليابان، وكل زلزال أو نشاط بركاني تزامن وحدث في منطقة بعيدة عن الأخرى، وذلك يبين علاقة الصفائح بعضها ببعض من ناحية الشد والضغط.
وتعتبر كل من منطقة البحر الأحمر والمحيط الأطلنطي مناطق شد وتباعد من المنتصف، أي أنها تتسع وتتباعد من منتصفها؛ ولذلك فهي متشابهة البراكين والديناميكية، وللعلم أيسلندا تقع في الجزء الشمالي من شق الأطلنطي المتوسط، وهي متأثرة بنطاق براكين الأطلنطي، وذلك إلى الشمال الغربي من إنجلترا، وتعتبر البراكين الأيسلندية من النوع الشقي مثل براكين البحر الأحمر.وقد يتساءل البعض في المملكة العربية السعودية عما يجب فعله قبل الانفجار البركاني الذي يمكن أن يحدث في منطقة شمال غرب المملكة مستقبلاً، والله أعلم متى يحدث. لهؤلاء نقول: إن التعرف على الأخطار المحتملة قبل حدوثها والتخطيط المبكر لها يمكنان أن يقللا خطر حدوث إصابات خطيرة، أو فقدان الأرواح، بجانب ثقافة الأشخاص التي تتطلب معرفة كل شخص لكيف ومتى يطلب الدفاع المدني، الدوريات الأمنية، الهلال والأحمر السعودي، كما يجب الحصول على تليفون مركز إطفاء الحريق الأقرب لمنزلك، واستمع دائماً إلى المعلومات الطارئة، كما درب جميع أفراد عائلتك على كيف ومتى يتم غلق الغاز والكهرباء والماء، ولا تنسى أن تحتفظ دائماً بأغراض الكوارث في منزلك.
ويجب في الوقت نفسه الابتعاد عن مواقع أي بركان نشط، وإذا كنت تعيش بالقرب من بركان معروف سواء نشطاً أو نائماً، كما في مناطق الحرات في الدرع العربي، فكن مستعداً لمغادرة المكان في أي لحظة، وتعرّف جيداً على طرق مواجهة أي بركان - لا سمح الله - مستذكراً قول الباري جل وعلا: {إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا (1) وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا (2)}
وتذكروا ما رواه المؤرخون، أنه في العام 79 ق.م، تسببت الغازات والرماد والطفوح البركانية الناتجة من بركان فيزوف في إيطاليا في خنق وطمر العديد من سكان كل من مدينة بومبي ومدينة هيركولنيوم (16000 نسمة)، ورقدت المدينتان تحت طبقة من الرماد البركاني يزيد سمكها على ستة أمتار، لمدة 1.600 سنة حتى تم اكتشافها في القرن الثامن عشر، كما يذكرنا التاريخ أيضاً بثوران بركان تامبورا في إندونيسيا في العام 1815م، حيث هلك ما يقرب من مائة ألف نسمة من السكان نتيجة الانفجار (انظر الصور المرفقة).وتذكروا أن خطورة تأثير الغبار البركاني تتمثل في أنها ستزيد من نسب الاحتباس الحراري على الأرض، إضافة إلى أن الذرات الضعيفة المتناهية الصغر سيكون لها تأثير على الزراعة، وتنبيه العلماء إلى ضرورة عدم تقليل حجم تأثير سحابة بركان أيسلندا على الصحة العامة للأشخاص، خاصة الأطفال الذين يعانون أزمات تنفسية وربوا.ولمعرفة المزيد عن أشهر الكوارث البركانية السابقة (أنظر الجدول المرفق):
ويجب الحذر لتلافي ما قد يحدث للقرى المجاورة للبراكين الخامدة - لا قدر الله - حيث إن المنطقة الخطرة حول أي بركان تغطي مساحة قطرها نحو ثلاثين كيلومتراً، كما قد يوجد هناك بعض الخطر على بُعد أكثر من 100 كيلومتر من البركان (انظر صور تماثيل متحجرة لسكان مدينة بومبي الواقعة بجوار بركان فيزوف).
ومن أجل تدخل السلطات أثناء الكارثة (ثوران البركان) يعمد إلى وضع مكعبات إسمنتية تنقل جوا وبرا في طريق انسياب للافا (مصهور البركان المتحرك)، وإذا لم يستطع إيقاف زحف المصهور هذا فيتم اللجوء إلى تفريغ المنطقة المجاورة من السكان، ولكنَّ عملاً كهذا يحتاج إلى إنفاق البلايين مستقبلا عند حدوث أي كارثة بركانية، ولتلافي ذلك يخطط لذلك مسبقاً، بأن يُخطَّط حول: هل نضع مكعبات أسمنتية أمام كل قرية ومدينة من الآن؟ وأين نضعها؟ وما هي المسافة من البركان المجاور؟.. لذلك يجب وضع سيناريوهات مختلفة ودراستها من قبل هيئة إدارة الكوارث إن وجدت. وتذكروا أن الرسول صلى الله عليه وسلم خطط مسبقا وحفر خندقاً حول المدينة المنورة لإيقاف زحف المشركين عليها.والتخطيط السليم للمستقبل سيقلل من الإنفاق الحكومي العشوائي عند وقوع الكوارث، والحل الأمثل يكمن في إعادة توطين في مناطق أخرى لسكان أي هجرة أو قرية تقع في حدود أقل من 30 كيلومتراً من فوهة أي بركان خامد في الدرع العربي (في الوقت الحاضر عدد هذه القرى قليل كما أن عدد سكانها قليل). لا تنتظروا فقد يتضاعف عدد القرى مستقبلاً كما قد يتضاعف عدد السكان أربع أو خمس مرات العدد الحالي.كما أن على الجهات المختصة في بلادنا التنسيق مع الأرصاد لمعرفة اتجاه الريح السائدة (وحسب علمي فالمحصلة السنوية لاتجاه الرياح من الشمال الغربي)، في كل شهور العام، خاصة تلك التي تهب على منطقة العيص والمدينة المنورة (انظر خريطة الطقس المرفقة)؛ وذلك حتى يمكن التعرف على مسار الغبار البركاني مستقبلاً الذي ينتقل لمسافات بعيدة، خاصة أنكم تعلمون أن الرماد البركاني قد وصل إلى تركيا من أيسلندا، وسيتعداها؛ حتى يمكن أخذ الحذر وتهيئة المستشفيات التي ستقع في طريق الرماد البركاني ضد أمراض الحساسية والربو والجهاز التنفسي.كما يجب على الطيران المدني وشركات خطوط الطيران في المنطقة أخذ الحيطة واتخاذ جميع التدابير المستقبلية من التخطيط مسبقا، ووضع خطط وسيناريوهات واحتمالات مختلفة لتغيير مسارات خطوط الطيران المحلية والعالمية؛ حتى لا تتكبد خسائر فادحة مثلما تكبدته شركات الطيران العالمية بسبب الكارثة الحالية (عجز في الإيرادات).فكروا في جميع الاحتمالات من الآن، وضعوا خططاً جاهزة التنفيذ في حالة حدوث بركان - لا قدر الله - أي كونوا مستعدين؛ فالتخطيط السليم قد يجنبنا خسائر عظيمة في المستقبل.
د. عبدالملك بن عبدالله زيد الخيال
جيولوجي وعضو مجلس الشورى