لا يزال الوعي منخفضا للغاية حول مكتسباتنا التنموية المادية، فالدولة لا تزال مهتمة بتأسيس البنية التحتية وتأسيس مجموعة ضخمة من الخدمات العامة للناس في سبيل توفير سبل الراحة للمواطن والمقيم، ولكن لا يزال الكثير من الناس يشعرون بأن هذه الممتلكات لا تعني لهم شيئا! في أحسن الحالات وفي أسوئها ترى وبكل وضوح نزعة عدوانية تجاهها، فتبدأ هذه النزعة العدوانية من الطفل الصغير وهو يحاول أن يفسد أي شيء في طريقه من مدرسته أو في طريقه نحو السوبر ماركت أو حتى المسجد، فلا يترك إضاءة إلا حاول إفسادها أو منظرا جماليا إلا حاول أن يحيله إلى شيء سيئ ولأنه لا يلقى التأنيب الكافي من والدته ووالده فهو لا يشعر بكبير ذنب وهذا لا يحدث في داخل بيته ولا في سيارة والده التي يعرف والداه كيف ينهياه عنهما، وعن أي محاولة إفساد أو تخريب إذا صار المكان أو الممتلكات مما خسرا فيه من جيبهما، أما إن كان الشيء من جيب الحكومة فتخريبه لا يعني لهما الكثير!
وبعد، ما إن يدخل ذلك الطفل سن المراهقة أو قبلها بقليل حتى تبدأ مرحلة إفساد أخرى للمكتسبات العامة في الكتابة على الجدران بشكل مقزز ومفسد بل يتقصد بعضهم الجدر الحديثة والمباني الجديدة، هذا في أول مراهقته وفي متوسطها تجده يفسد في سيارته مرافق الناس العامة ويسيء لهم بالسرعة الزائدة والتفحيط والحوادث غير المبررة سوى أنها نتيجة»اللا مبالاة» والطيش الشبابي غير المقبول وغير المسؤول وتنتهي مراهقته بمضايقة الفتيات العابرات خصوصاً حينما يحمل ثقافة أن الفتاة المرتدية عباءة كتف أو كاشفة الوجه فإن مضايقتها حلال!
وبعد، وحتى في سن الرجولة فإن النيل من مكتسبات التنمية لا يتوقف، فهذا يوقف سيارته على رصيف المارة وآخر ينظف سيارته لتكون نظيفة لامعة من الخارج ويجلس في داخلها ويلقي النفايات في الطريق دون أي شعور بالذنب، ليزيد من أعباء الدولة ويزيد من نفايات الشوارع ويعطي درسا مجانيا لأطفاله وأسرته بأن شوارعنا آخر اهتماماتنا وأن نظافتنا أهم من نظافة شوارعنا وأننا معنيون بنظافتنا الشخصية غير معنيين بنظافة البيئة من حولنا.
هذا العرض في صورته البسيطة، في صورته اليومية وصورته الفردية، أما صورته الجمعية والعامة فإن الصورة تبدو قاتمة، فمؤسسات الدولة لا تضع في اهتمامها وعي الموظف في الحفاظ على مكتسبات الدولة والمواطن التنموية في اهتماماتها، فالبلدية مثلا تنشئ طرقا جديدة لكنها لا تهتم بسلامة الطرق البديلة ولا إضاءتها منعاً للحوادث. وفي جهة أخرى إذا نظرنا إلى الموظفين نرى بعضهم أقل اهتماماً في تطبيق العقود كسلاً وتراخياً في أحسن الحالات، وفي مؤسسات القطاع الخاص فإن هناك هوساً في جمع المال دون أي مساهمة في تنمية البلد الذي يقدم لهم بيئة»استثمارية» آمنة، وبدون شعور بالمسؤولية في اهتمامهم بالناس.
هذا عرض موجز لأزمة المحافظة على المكتسبات التنموية، ولا تزال المساحة أقل من العرض والألم أكبر من التحمل والشق أكبر من رقعة التعديلات والناس (المواطن والمقيم) الخاسر الأبرز في هذه المهمة الوطنية الحساسة!
www.salmogren.com