تسعى دول العالم إلى الاستفادة من نتائج وتوصيات البحوث العلمية التي تتناول قضايا تمس كياناتها وترتبط برفاهيتها.
ومن البحوث التي ترتبط بشكل مباشر برفاهية وديمومة المجتمع البحوث الأمنية التي تعالج المشاكل والقضايا
الأمنية المختلفة التي تؤرق كافة المجتمعات البشرية نظراً لكون هذه القضايا ذات خصوصية عالمية كالجريمة والسرقة والإرهاب والمخدرات والحوادث المرورية. ومن الملاحظ في العقدين الأخيرين ارتفاع معدل الجرائم بأنواعها المختلفة وزيادة الحوادث المرورية في المملكة العربية السعودية. يعتبر هذا من الأمور المتوقعة في أي مجتمع كمجتمعنا السعودي الذي شهد في هذين العقدين زيادة مطردة في نسبة السكان وتكدسهم في المدن الرئيسية، وكذلك تدفق الأيدي العاملة من دول العالم المختلفة للمملكة.
وهذه الزيادة في معدل الجريمة والحوادث المرورية لم يواكبها زيادة في عدد مراكز البحوث الأمنية المتخصصة، وبالتالي نقص في عدد البحوث الأمنية العلمية التي تطبق الطرق العلمية الرصينة في مجال جمع البيانات وتحليلها. المتصفح لبعض البحوث الأمنية المنشورة والصادرة من بعض المراكز القليلة المعنية بالبحوث الأمنية في المملكة يدرك -من الوهلة الأولى- أن هذه البحوث هي في مجملها بحوث مكتبية أو وصفية لا تستمد بياناتها من الواقع العملي الذي تتشكل وتتبلور فيه هذه القضايا الأمنية الحساسة. وعلى الرغم من أهمية هذا النوع من البحوث إلا أنها تفتقد للجوانب التطبيقية الذي تتطلبه بعض القضايا الأمنية.
ويمكن القول إن البحوث ذات الطابع الأمني محدودة للغاية ولم تتناول كافة القضايا ذات الأبعاد الأمنية المختلفة. على سبيل المثال زادت قضايا الانتحار في المملكة المعلن عنها في الصحف ووصف المنتحر -في الغالب- بأنه يعاني من أمراض نفسية. هذا النوع من القضايا الأمنية يحتاج أكثر من مجرد خبر عابر في صحيفة محلية. لأبد من بحث قضايا الانتحار بأسلوب علمي يقف على الأسباب الحقيقية لظاهرة الانتحار التي تفشت في مجتمعنا، وإيجاد التوصيات المناسبة لها. وقِس على ذلك قضايا أخرى عديدة مثل هروب الفتيات من أسرهن، والعنف المنزلي ضد المرأة والأطفال، وابتزاز الفتيات وغيرها كثير.
ويعاب على هذه البحوث القليلة أنها لم تراعي جغرافية المملكة الشاسعة، فنجدها تتناول قضايا أمنية في منطقة أو مدينة معينة وكأن هذه القضايا خاصة بها دون غيرها، وإن عممت النتائج على هذه المناطق نجدها تفتقد لصفة التعميم (Generalization) العلمية نظراً لعدم شمولها على عينات من هذه المناطق أو المدن وعدم مراعاتها لاختلاف المكان والزمان. مثلا قد يميل الباحث في دراسته عن جريمة سرقة المنازل (Burglary) في الرياض إلى تعميم نتائج دراسته على مناطق المملكة المختلفة دون الاستعانة بعينات أو دراسات سابقة عن هذه الظاهرة في تلك المناطق والمدن.
وأخيراً، يلاحظ تمركز آلية دعم وتنفيذ البحوث الأمنية في مراكز مرتبطة بمؤسسات أمنية معينة وهذا لا يخدم البحوث الأمنية الرصينة على المدى الطويل.
فهذه المراكز محدودة في كوادرها البشرية المؤهلة وميزانيتها التي ربما تعجز عن دعم البحوث الأمنية التطبيقية طويلة الأمد (Longitudinal studies). يبدو لي أن مراكز البحوث-الأمنية وغير الأمنية- في المملكة قد فشلت في الاستفادة من بعضها البعض، وهذا دليل واضح على انعزالية الفكر البحثي لهذه المراكز. لذا أرى ضرورة تعزيز مبدأ الشراكة البحثية بين مراكز البحوث الأمنية وبين بعض مراكز البحوث المتميزة في الجامعات سواء داخل أو خارج المملكة وذلك من خلال طرح القضايا الأمنية محور الدراسة والبحث ووضعها أمام الباحثين المتميزين في هذه الجامعات والمراكز البحثية واستقطابهم لدراسة هذه القضايا وإيجاد الحلول المناسبة لها.
أستاذ مشارك في اللسانيات النفسية والتطبيقية
mohammed@alhuqbani.com