بتاريخ 29-7-1431هـ عُقدت في مدينة الرياض ورشة عمل تخصصية لعرض مسيرة مشروع الخطة الإستراتيجية لهيئة الأمر بالمعروف والنَّهي عن المنكر، ومراجعة النتائج والمخرجات التي توصل إليها المشروع، بمشاركة نخبة من المختصين والمهتمين بهذا المشروع الإستراتيجي.
ويأتي انعقاد هذه الورشة - وفق رؤية فريق المشروع - لإضفاء اللمسات النهائية على مشروع الخطة بكل أهدافها وسياساتها، وبرامجها التنفيذية.
هذا المشروع هو أبرز ثمرات الشراكة والتعاون والتفاهم بين جهاز الهيئة وجامعة الملك فهد للبترول والمعادن. إذ بتاريخ 16-6-1430هـ أُبرم عقدٌ بين الجهتين، ينصّ على قيام الجامعة عبر معهد البحوث التابع لها بإعداد خطة إستراتيجية شاملة للرئاسة «حِسْبة» تغطي فترة زمنية قدرها عشرون عاماً «1430-1450هـ» لتحقيق عدة أهداف رئيسة، من أبرزها: إحداث نقلات نوعية وهيكلية في جهاز الرئاسة في مجال التخطيط والتطوير بمساراته ومنهجيته وأهدافه وآلياته. وبناء قاعدة صلبة في مجال ميكنة العمل، وتوظيف الموارد، وتحقيق معايير الكفاءة والجودة في الأداء وأساليب العمل. ووضع آليات تساعد على إجراء عمليات المراقبة، والمراجعة الدورية، والتطوير للخطة الإستراتيجية. بالإضافة إلى تبني ونشر ثقافة التخطيط، والتفكير الإستراتيجي، وبرامج التهيئة، وإدارة التغيير. وبما يسهم في المحصلة النهائية في تعزيز قدرة الجهاز على أداء رسالته على الوجه الأكمل.
ولعلَّ الأبرز في محتوى هذا المشروع النَّص على إعداد خطة تنفيذية مرحلية خمسية «1430-1434هـ» تشتمل على برامج ومشاريع ومبادرات وفق أولويات محددة، وجداول زمنية، ومؤشرات لقياس جودة الأداء.
وأعود بالقارئ الكريم إلى أجواء وفعاليات هذه الورشة التخصصية، التي تمَّ فيها إجراء مراجعة ذات صبغة شمولية لمسيرة الخطة، ومنهجيتها، وأدوات بنائها، وأبرز مخرجاتها، والتي تمحورت حول الرؤية والرسالة والقيم، والغايات الإستراتيجية (الأهداف العامة) التي تقوم عليها الخطة، وهي تحديداً: البناء المؤسسي، والوقاية التكاملية، والتميز الضبطي، ونشر ثقافة الاحتساب، والثقة. وتنبثق عن كل غاية من هذه الغايات أهداف إستراتيجية محددة قابلة للتنفيذ والقياس (الأهداف الخاصة) على ضوء الاحتياجات والمتطلبات والقضايا الرئيسة.
كما تمَّ في هذه الورشة تقديم عرض عام عن الخطة التنفيذية (خطة تنفيذية مرحلية خمسية 1430-1434هـ) وتحديد وتوصيف برامجها التنفيذية، وأولوياتها، وإدارة الخطة، ومؤشرات الأداء، والمراجعة الدورية.
اتسمت فعاليات هذه الورشة في جلساتها المتوازية، بحيوية عالية، ونقاشات مفيدة، رُصدت من خلالها جملة من الأفكار والرؤى التي سوف تسهم بالتأكيد في تعزيز سلامة مخرجات المشروع في صياغته النهائية. وفي تقديري أنَّ مشروع الخطة الإستراتيجية للرئاسة العامة لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يحمل الكثير من الإيجابيات على صعيد استشراف آفاق المستقبل، لتعزيز رسالة الحِسْبة على المستويين المحلي والعالمي. ومن أبرز الوقفات التي يمكن رصدها بهذا الخصوص:
* مشروع الخطة الإستراتيجية مشروع وطنيٌ بامتياز، أعدَّه وأشرف على كل مراحله ومساراته نخبة من أبناء هذا الوطن، من الأكاديميين والخبراء في مجال التفكير والتخطيط الإستراتيجي. وهم ثمرة لمسيرة وبرامج الخطط الخمسية المتعاقبة للدولة لنحو أربعين عاماً ونيف، والتي استهدفت فيما استهدفت بناء الإنسان السعودي، وتنمية قدراته، وتحقيق طموحاته.
هذا التميز والإبداع والاحترافية التي اصطبغ بها عمل الفريق الفني المشرف على إعداد الخطة بقيادة الأستاذ الدكتور عمر بن عبد الله السويلم مدير مشروع حِسْبة بمركز الدراسات والتخطيط الإستراتيجي بمعهد البحوث بجامعة الملك فهد للبترول والمعادن يؤكد على الدرجة العلمية والفنية والمهنية العالية التي يمكن أن يصل إليها الإنسان السعودي الطموح إذا وجد الدعم والمساندة، وتهيأت له بيئة عمل مُحفِّزة للإبداع والابتكار.
* من العناصر الإيجابية والاستثنائية في هذا المشروع المزج بين مساري: البناء النظري، والتطبيق على أرض الواقع لجانبٍ من مخرجات المشروع التي تمَّ التوصل إليها واعتمادها من طرفي العقد. وهذا الأمر يعكس بطبيعة الحال الدرجة الكبيرة التي وصل إليها التفاهم والتعاون والشراكة بين جهاز الهيئة من جهة. وفريق المشروع التابع لجامعة الملك فهد للبترول والمعادن من جهة أخرى.
* الانتقال من الجانب النظري لبناء الخطة الإستراتيجية، والبدء في تطبيق خطتها التنفيذية الخمسية الأولى ببرامجها ومبادراتها المستهدفة، يستدعي في المقام الأول تهيئة بيئة العمل بما تحتاجه من مهارات وممارسات لمباشرة قواعد وآليات التنفيذ، وفق أفضل صورة فنية ومهنية ممكنة. وفي جهاز الرئاسة العامة وفروعها ومراكزها حراكٌ في هذا الاتجاه، يسير وفق برامج محددة، في إطار مشروع الخطة الإستراتيجية الجاري إعدادها، وتنفيذ جزءٍ من مخرجاتها. ولكن بناء قاعدة صلبة لتوطين ثقافة التفكير والتخطيط الإستراتيجي داخل جهاز الهيئة يتطلب الكثير من الجهد والعمل. خاصَّة في مرحلته الأساسية، والتي تستهدف (قيادات الصف الأول والثاني). إذ يفترض أن تأخذ هذه القيادات كفايتها من برامج ومهارات التفكير والتخطيط الإستراتيجي بمفرداته وعناصره الضرورية. وكذلك مهارات إدارة العمل، وتبسيط إجراءاته وأساليبه، بدرجة عالية من الاحترافية. ولا مانع، بل قد يكون من الضروري القيام بإحلال قيادات إدارية جديدة عوضاً عن تلك التي يتضح عدم فعاليتها.
كلمة أخيرة: القيادة الإدارية عنصر أساس في العمل والإبداع والتَّحفيز، لها مواصفات واشتراطات، ودراسات ونظريات. ومع الأسف الشديد نفتقر إلى نماذج منها في كثيرٍ من مؤسسات القطاع العام على وجه الخصوص.